زكريا محمد محسن
زكريا محمد محسن

رسالتي إلى مندوبي الإغاثات 

من نافلة القول أن الحرب المستعرة منذ سبع سنين خلت ، ولا زالت نيرانها تتلظى وجذوتها تتقد أكثر فأكثر ، قد خلفت أسوأ معاناة إنسانية بشهادة المجتمع الدولي ومنظماته العاملة بالميدان ، وأصبح السواد الأعظم من الشعب تحت خط الفقر وبحاجة إلى مساعدات عاجلة ، فالمجاعة قد كشرت عن أنيابها وضربت بأطنابها في كل ربوع البلاد. 

 

واليوم ومع اشتداد الفقر. والمجاعة وارتفاع الأسعار ؛ تزيد المشاكل بين مندوبي المربعات والمواطنين حول توزيع الحالات لاسيما عندما تنعدم المصداقية والشفافية في التوزيع ، فقد شهدتُ قبل أيام خلافات عاصفة بين المندوبين والمواطنين حول الحالات الجديدة لبرنامج الغذاء العالمي الذي حول مؤخراً الإغاثات العينية إلى نقدية .. حيث يتهم المواطنون المندوبين بالتلاعب والمجاملات في التوزيع ، مؤكدين بأنهم يقومون بتسجيل أقاربهم في أكثر من منظمة في آنٍ واحد حتى وإن كانوا موسرين وغير محتاجين. 

 

وحقيقة ما أثّر بي وجعلني أشفق للحال الذي وصل إليه الشعب من فقر وعوز هو أنني رأيت بأم عيني فقيراً يرفع كفيه إلى السماء ويدعو بحرقة على من اسقط اسمه ويذكره بالاسم ، وكانت عبراته تنهمر بغزارة في مشهد حزين زلزل كياني وأصابني بالخوف والذهول معاً ، وذلك بعدما عرف أنه تم اسقاط اسمه في هذه الحالات الجديدة المقررة للضالع ، مع أن المندوبين - كما قال - يعدونه دوماً بالتسجيل لكن يتفاجأ في كل مرة بإسقاطه رغم أنه معيل لأسرة كبيرة وراتبه لا يكفي حتى لشراء أبسط الاحتياجات الضرورية ، ويقومون عوضاً عن ذلك بتسجيل معارفهم وأصدقائهم مع أنهم أحسن حالاً منه .. فأي قلوب لدى أولئك المندوبين ..؟!!.. وأي ضمائر يملكون ..؟!!.. يسمعون دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب ويتجاهلون ذلك ويغضون الطرف وكأن في آذانهم وقراً ، فلا تحرك فيهم تلك الدعوة شآبيب الخشية والخوف من الله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده ، بل وتوعد بحساب عسير لكل ظالم وتعهد بنصرة المظلوم ولو بعد حين.   

 

نعم قد أصبح السواد الأعظم من الناس يشكون من الظلم والجور وعدم وجود الشفافية والأمانة عند التوزيع ؛ فقد نشر أحد المعلمين رسالة استغاثة في إحدى الجربات التي تمثل قريته تقطع نياط القلوب وتبكي الصخر الأصم يشرح فيها حاله ويطالب الناس بالوقوف إلى جانبه وقول كلمة الحق مذكراً إياهم بأن راتبه لا يتجاوز الثمانين ألف وأسرته كبيرة وليس له مصدر دخل آخر ..!!. 

 

  فرسالتي لأولئك المندوبين - وكل من أئتمنه الناس وجعلوه مندوباً لهم- رفقاً بالفقراء والمحتاجين ، ومن سره أن يلقى الله متحللاً من حقوق الناس أن يحاسب نفسه قبل أن يقف بين يدي الله ، فتلك أمانة وأي أمانة..؟.. فعليكم عدم التفريط بها ، وتذكروا قول الله تعالى الذي تجتمع عنده الخصوم يوم القيامة:  { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَات وَالأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً }.

 

ختاماً ينبغي الإشارة إلى أن الفساد المنتشر في توزيع الإغاثات والمجاملة والمحاباة في ذلك لا يتحمله المندوبون لوحدهم وحسب بل أن المسؤولية مشتركة بينهم وبين الانتقالي والسلطات المحلية ومكتب التخطيط والتعاون الدولي كبيرهم الذي علمهم الفساد. 

زكريا محمد محسن