" حُمادي ' كانت " فاطمة " زوجته وضعت جنينها مُنتصف ليلة شتوية باردة ، وأول شيء طلبته من بعلها هو كسرة خبز تسكت بها صيحات معدتها المُسغبة ..
ولأنه لا يمتلك في داره غير كوز ماء ورحى واقفة ملتاعة هي الأخرى لرائحة الحبوب ؛ فلقد قصد جاره وقريبه في ذات الوقت " سلطان " كي يمدّه بما تيسر من حبيبات الذُرة أو الحِنطة ، فأعتذر وحلف يمينًا بكونه لا يجد في بيته ما يُسد به رمقه .
عاد " حُمادي " بنفسٍ منكسرة ووجه مُكَفهر ، فلأول مرة يجد ذاته في موضع لم يحسب له حسابه ، فما هو معلوم عن قريبه هو أنه ميسور الحال مقارنة بعوز جيرانه ، وكان بمقدوره مساعدته ، ومع ذلك خذله .
ذهب مسرعًا لجاره الأخر " حُسين " ممنيًا نفسه هذه المرة بشيء لزوجته ، لكنه قُوبل بلؤم شديد لم يخطر بباله أبدًا .
طَفَقَ عائدًا لمسكنه المتواضع، بذهن شارد ساخط على جاريه المُقرّبين والمُسلمين ، وبينما هو في سبيله راودته فكرة طرق باب جاره اليهودي " بن مناحيم " علَّه ينجده ويحفظ ماء كرامته ، فيعطيه شيئًا بدلًا من إيابه بيدين فارغتين .
تسلل خلسة إلى دار اليهودي ، وحين أجابه شرع يُحدّثه عن حالة زوجته ، ففهم مُراده وقصد مخزن مؤنه ، جالبًا الخبز وحبيبات الحنطة ، وزاد لطلب القبيلي قنينة سمن بلدي ..
غادر " حُمادي " والبهجة تسبقه ، وقبل أن يدلف مسكنه تذكَّر أن لديه ما يود قوله لجاره اليهودي الذي كان طيبًا معه ، وكيف إنَّه لم يثن على فعله الكريم ؟.
عاد ثانية ، وعندما وقف بوجه " بن مناحيم" قال له : أفدي هذين الزنارين المتدللين في صدعك مثل حبلا إنقاذ ؛ أردت فقط نصحك : أحذر تُسلِم ، وقدك على اليهودة ما أحسنك ..
نَفَض ما في سريرته ، ومضى ضاحكًا فرحًا من كرم اليهودي ، وهازئًا من لؤم جاريه وقريبيه ...
* هذه الحكاية وقعت في قريتي" القُرضي " في جبل جحاف، قُبيل هجرة اليهود لفلسطين في هزيع الأربعينات ، فقط ، استخدمت اسماء مغايرة ..
محمد علي محسن