في ٥ نوفمبر ، رحل الرجل الشجاع جسداً ، وبقت روحه النقية الطاهرة تأبى الرحيل ، إنَّها في حالة سفر دائب غايته بلوغ حياة البرزخ والخلود ..
الشهيد ، القائد علي محسن " جرجور " يذكرني دوماً بقولة سينيكا : الشجاعة تقود إلى النجوم ، والخوف يقود إلى الموت " ، لذا هو الآن هناك عند ملك مقتدر ، ينعم برفقة الانبياء والشهداء والصادقين ، فوق السماوات والنجوم والكواكب .
في الأخطار العظيمة تظهر الشجاعة العظيمة ، واجزم أن أبا عبود من هذا الصنف النادر ، كأن الشدائد أنجبته ، والآلام صبغته ، والأحلام طبعته ، والشجاعة عشقته ، فنال حياة الخلود بدلاً من الفناء .
ومثلما قال لقمان الحكيم : ثلاثة لا يعرفون الا في ثلاثة ، الشجاع في الحرب ، والكريم في الحاجة ، والحليم في الغضب " وابا محسن عرفته شجاعاً ، سخياً ، بسيطاً ، ذكياً .
فبينما كانت دانات الدبابات والمدفعية تتساقط على رؤوسنا واماكننا في جبهة العرشي ومن مختلف النواحي ، كان شهيدنا البطل يمطرنا بتعليقاته الهازئة ، يداعبنا بنكاته .
وكأنه بضحكته تلك قائلاً لنا : لن تخيفنا أصوات قذائفهم ، لن تفنينا أسلحتهم ، فنحن أقوياء بالحق بينما هم ضعفاء بكونهم على باطل وقوم بغي وعدوان ، اضحكوا وحذاري أن يسلبكم الغزاة الطامعين ضحكتكم وتفاؤلكم " .
واليوم ، اصدقكم انني مازلت اضحك كلما شاهدت التافهين يتساقطون كقطع لعبة الدمينو ، وكلما امعنوا في جحودهم ونسيانهم ، لتضحيات الرجال مثل الشهيد علي جرجور ورفاقه الذين نذروا مهجهم رخيصة كيما ننعم بالحرية والسلام والحياة الكريمة .
لن ارثيك يا علي ؛ لأنك حي فينا ، فوجهك البديع الضاحك لا يفارقنا للحظة ، صدقك وشهامتك ونبلك لا يحتمل الكذب واللؤم والنذالة .
لهذا احبك الله ، حين اخذك منا خلسة ، كما واعزك عندما رفعك عالياً وبعيداً عنا نحن محبوك وصحبك ورفقتك .
فحتماً ضاع الوفاء وازدهرت الانانية والكذب والخوف والبغض ، ويقيناً هذه اشياء ما كنت سترضى العيش في كنفها ..
نعم ، احبك الله ابا عبود ، فكلما ارتفع الشريف زاد تواضعاً ، والعكس ايضا حين يرتقي الوضيع لمكان رفيع ، فلا يزيده هنا الا تكبراً وتجبراً ..
احمد الله انك حي في نفوسنا ، فروحك الطيبة المرحة تسكننا ، ووجهك الجميل يماثل إشراقة صباح على ديارنا الحزينة المكلومة .
إما قصة استشهادك فهي خير تجسيد للحكمة القائلة بأن حياة الشجاع في موته ،وموت الجبان في حياته ، أو مثلما قال الشاعر : لا تبكه فاليوم بدء حياته .. إنَّ الشهيد يعيش يوم مماته..
لن انعيك ؛ لأنك في ضمائرنا ، ولأنك سيرة عطرة تكلل هامتنا واين ذهبنا وحللنا ، فإذا كان ولابد من رثاء فان قاتليك الإرهابيين الجبناء هم من يستحق الرثاء .
فليس الموت هو الرهيب والمفزع ، وانما الموت المخجل والمخزي ، وشتان بين استشهادك المشرف وبين موتهم الشنيع المخزي ..
" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل احياء عند ربهم يرزقون "
محمد علي محسن