أقلام حرة
أقلام حرة

هل هي حرب عبثية أم حتمية؟

كتب/ مبارك أردول

يكثر الحديث عن وصف حرب 15 من أبريل بأنها حرب عبثية أي أن لا فائدة ولا مبرر وطائل من ورائها، فقط من أجل العبث ويردد ذلك الكثير من الساسة والمسؤولين لهذا الوصف، ولكن من يصفها هكذا نجد أنه لم يقم بالتمعن مليئاً بأسباب الحرب وليس لديه تصور أو رؤية واقعية عن كيف كان سيتم توحيد القطاع الأمني وخلق جيش وطني واحد في البلاد، في ظل الثنائية التي ورثت من النظام البائد وإستمرت المسألة الي أن كاد أن يصبح الدعم السريع جيشا موازيا للقوات المسلحة.

 

واعتقد هذه كانت واحدة من أقوى مسببات حرب الخامس عشر من أبريل، وقضية توحيد المنظومة الأمنية هي قضية تتعلق ببنية وتشكل الدولة الحديثة فلايمكن أن تكون عبثاً وبلا فائدة.

 

لم يكن لقيادة الدعم السريع أي إستعداد لدمج تلك القوة في الجيش الوطني وبتوحيد مركزي القيادة والسيطرة والانتهاء من التعددية والتشوه الأمني في البلاد، ولو كانت هنالك حسنة في الإتفاق الإطاري أنه فتح النقاش حول هذا الأمر وبشكل علني.

 

كان أقل سقف عند القائمين على الدعم السريع (ولا أعني القيادة وحدها) هو وضع الجيشين في كفة المساواة، رغم التشوه الهيكلي والعقدي في الدعم السريع، خاصة في بنية القيادة الأسرية والتكوين القبلي لتلك القوات.

 

الإنتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة بطبيعة الحال يتطلب جيش وطني واحد وبقيادة موحدة، وحتى لو قام عليها تمرد فهو أقل كلفة وفي نهاية المطاف وفق ترتيبات سياسية لقضاياه المطلبية ينتهي بمقاتليه المطاف ليكونوا جزءاً من الجيش الوطني، ولو تمت إعادة هيكلته واصلاحهه فهو أرحم من وجود منظومة أمنية موازية له وتتلقى نفس الإمتيازات والمخصصات وربما أفضل ومن مؤسسات الدولة كما رايناه في الدعم السريع.

 

عندما رفض قادة الدعم السريع الإندماج في القوات المسلحة في ورش الإطاري وظهر الحديث الذي كان يدور همساً بأنهم ليسوا على إستعداد لذلك الا بعد عشر سنوات على الأقل، كان هنالك خيارين أم تمرير ذلك الموقف والقبول به على مضض وتجنب المواجهة، والتوقيع على الإتفاق النهائي وبذا يصبح دستوراً شرعن وجودهم كجيش ثاني، أو مقاومته ورفض التوقيع عليه، وقد ذهبت قيادة الجيش نحو الخيار الطريق الثاني، وتحمل تكلفته مهما كان الثمن، لذلك عندما نلوم القيادة المدنية بأنها من تسببت في الحرب، رغم انها فتحت النقاش حول هذه القضية، نقول ذلك لأن موقفها كان (محايداً) ولم يكون واضحاً تجاه هذه القضية الأمنية الإستراتيجية، فلايمكن لسياسي مدني أن يرمش له جفن وهو يناقش مسألة تتعلق ببنية الدولة ومؤسساتها الشرعية، وبل التلويح بالحرب كخيار حينه منح مشروعية للدعم السريع للتحرك لخوضها، وقابله الصمت والتواطوء الملتبس في موقف الحياد من هذه القضية، ليس لسبب بل لان قادة الدعم السريع بادلوا مدنيي الإطاري بالمقابل بأنهم يحاربون من أجل الديمقراطية والحكم المدني المبوب في ذلك الاتفاق، فقدموا الإستقلالية والثنائية سلعة مقابل الإنفراد بالحكم ثمناً.

 

ومن أجل تحقيق غاية ( الاستغلالية) تحرك قادة الدعم السريع بالقوة لفرض الإتفاق الإطاري وهو الذي أسس لهم بالثنائية ومنحهم الاستقلالية، وكان التحرك عن طريق القوة العسكرية (للقبض أو قتل أو عزل) قيادة الجيش الرافضة لهذا الإتفاق الإطاري (وخاصة الجزئية المتعلقة بالترتيبات الأمنية) غاية حتى الآن بالنسبة لهم، لذلك نقول فرض الدعم السريع وحلفاءه الداخليين والخارجيين الحرب أمام القوات المسلحة التي تحولت فجأة للحفاظ والدفاع عن شرعية الدولة ومؤسساتها التي كانت تهددها الإتفاق الإطاري الذي قال أصحابه أنه صمم من أجل معالجة الأزمة السياسية!.

 

والتصدي للدعم السريع هو تصدي لمشروع الثنائية ورفض القبول بالجيش الموازي، وغض الطرف والصمت عنه هو العكس تماماً، لذلك لا نرى أن عبثاً في هذه الحرب بل مفروضة ولا مفر منها، وكانت مؤجلة حتى لو لم تقم في أبريل 2023م فكانت مؤشراتها باينة تحت أي وقت يمكن أن تندلع، لآن القضية الاساسية لم تعالج. الآن بعد وصول ورش الإطاري لطريق مسدود حول هذه المسألة، وكانت المناقشات داخلية في السودان إنتقلت الي طاولة المفاوضات في الخارج والي جدة وبرعاية دولية، وما لم تصل الي معالجة في الطاولة لهذه القضية ولم تتطرق لها، فلا حل سيلوح في الأفق لقضية الحرب في السودان.

 

ما استغرب فيه أن قضية متعلقة بشكل الدولة الحديثة كهذه، كان لا يجب أن تاخذ وقت بالنسبة للوسطاء للضغط على الطرف الممانع، ولم أتوقع أن يتناطح على هذه القضية عنزتان، ولكن تجنب طرحها كقضية رئيسية جعل منبر جدة بلا تقدم أو جدوى حقيقية، وقد إقتصر دور منبر جدة للمناقشة حول إفرازات الحرب وقوانين الاشتباك فيها بدلا عن مناقشة مسسبباتها.

 

6 اغسطس 2023م