كتب/ عمرو فاروق
هل تؤثر الحرب الدائرة في غزة على الانتخابات الرئاسية الأميركية المزمع إجراؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) العام المقبل في ظل الدعم المطلق العلني لإسرائيل، وغير المشروط من جانب الرئيس جو بايدن، الذي اعترف صراحة بانتمائه إلى الحركة الصهيونية، وكذلك تصريحات وزير خارجيته أنطوني بلينكن التي قال فيها أنه ذهب إلى إسرائيل بكونه يهودياً لا دبلوماسياً؟
رغم إدارك واشنطن أن السابع من تشرين الأول (أكتوبر) يمثل لحظة مفصلية لسياستها في الشرق الأوسط، فإنها منذ بدء “حرب غزة” عمدت إلى إظهار التزامها العميق تجاه إسرائيل على مستوى الدعم المالي والعسكري والأمني، فضلاً عن حشدها الدعم الغربي بشأن أحقية تل أبيب في الدفاع عن نفسها، مع عدم إغفالها احتواء الصراع ومنع تحوله إلى حرب إقليمية واسعة تؤدي إلى تورط القوات الأميركية في القتال، مع ضمان سلامة الرهائن الذين تحتجزهم “حماس” وأولوية تحريرهم.
المشهد السياسي في الداخل الأميركي يمر بحالة من الارتباك والانقسام الذاتي بين الديموقراطيين والجمهوريين في ما يخص قرارات البيت الأبيض ومواقفه من حرب غزة، والتي ستهدد المستقبل السياسي لقاطنيه، في ظل الازدواجية التي تمارسها واشنطن، ومنحها غطاءَها السياسي غير المتناهي للدولة العبرية، وتغاضيها عن الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، واستهدافها المدنيين، ومحاصرتها المؤسسات الطبية، وتعمدها منع تدفقات المساعدات الإنسانية.
الاختراقات القانونية التي مارستها إسرائيل، ستلقي بظلالها على الانتخابات الأميركية المقبلة، لا سيما في ظل تأثيرها على اتجاهات الرأي العام، وتعاطف التيارات التقدمية واليسارية مع الجانب الفلسطيني، فضلاً عن الكتل الشبابية التي لم تنخدع بحروب التضليل الإعلامي، وترى في الرئيس جو بايدن حليفاً ومشاركاً قوياً في دمار غزة، وفقاً لمؤسسة “غالوب” التي أجرت استطلاعاً للرأي أخيراً، أشار إلى أن بايدن خسر 7 نقاط مئوية من الدعم بين الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً.
ربما كانت الكتلة الأكبر والأكثر تأثيراً في تلك المعركة، تتركز في تكتلات العرب والمسلمين – رغم نسبتهم القليلة – الذين شكلوا تحالفاً قوياً لدعم جو بايدين في مواجهة دونالد ترامب، لا سيما جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تعتبر نفسها شريكاً أساسياً في وصول الديموقراطيين إلى سدة البيت الأبيض، في انتخابات عام 2020.
يواجه جو بايدن ضغوطاً من الدوائر السياسية والشعبية في الداخل الأميركي جراء دعمه غير المشروط لاسرائيل، في ظل تمرد عدد من أعضاء حزبه وتوقيعهم على مشروع قرار للتنديد بمواقفه، وكذلك تقديم مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأميركية استقالته احتجاجاً على نهج الإدارة فى التعامل مع الحرب على غزة، فضلاً عن اضطراره إلى لقاء ممثلي عدد من المنظمات الإسلامية الذين طالبوه بإحداث تغييرات جذرية في سياسة واشنطن الداعمة لإسرائيل، مهددين بالتراجع الفوري عن التصويت لمصلحته في الانتخابات المقبلة، وفقاً لبيان المجلس الوطني الديموقراطي الإسلامي.
المؤشرات التقديرية في سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، تميل إلى انخفاض شعبية بايدن، في ظل رفض 70% من الشعب الأميركي طريقة تعامله مع العدوان على قطاع غزة، مقابل الارتفاع الملحوظ في شعبية ترامب الذي يعتمد في برنامجه الانتخابي على ما يعرف بـ”الأجندة 47″، كما يرى مركز “بيو” للأبحاث، في أحدث تقديراته، أن 13% من المسلمين، في الولايات المتحدة، يعتبرون أنفسهم جمهوريين، فىما يرى 20% منهم أنفسهم مستقلين، بينما يرى 66% منهم أنهم ديموقراطيون، إلا أن أغلبيتهم لا تنوي الآن التصويت لبايدن.
في الغالب ستشهد الانتخابات الأميركية نوعاً من التصويت العقابي من الكتلة العربية والإسلامية – لا سيما المنظمة – التي تتمدد داخل عدد من الولايات الأميركية، فضلاً عن اتصالاتها المباشرة مع الدوائر السياسية المعارضة لسياسات بايدن وقراراته المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها جماعة “الإخوان المسلمين”
العلاقة الاستراتيجية والتاريخية بين الديموقراطيين وجماعة الإخوان، دفعت جو بايدن إلى الاعتماد على مؤسسات التنظيم الدولي في التأثير على أصوات العرب والمسلمين والأفارقة، في ظل مشاركة 1.1 مليون ناخبة وناخب من المسلمين، فى الانتخابات الرئاسية عام 2020، بما حقق له التوازن النسبي في العديد من الولايات التي حسمت تفوقه على غريمه اللدود، بخاصة في ولايات ميشيغن وبنسلفانيا وأوهايو وويسكونسن، وجورجيا.
يعتمد “الإسلام السياسي” في الولايات المتحدة على أكثر من 40 منظمة تتبنى التوجهات الفكرية لجماعة الإخوان ومشروعها في الغرب، في مقدمتها “الدائرة الإسلامية لأميركا الشمالية” (ICNA) التي تأسست عام 1968، وسيطرت بدورها على أكثر من 75% من المساجد والجمعيات والمراكز في الولايات المتحدة، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي (IIIT) 1981، ومقره واشنطن، والمجلس الإسلامي الأميركي (AMC) 1990 ومقره شيكاغو، والجمعية الإسلامية الأميركية (MAS) 1993، ومجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR) 1994 ومقره الرئيسي في كابيتول هيل في واشنطن، وجمعية المسلمين الأميركيين من أجل فلسطين (AMP) ، وجمعية “المصريين الأميركيين من أجل الحرية والعدالة” (EAFJ)، و”المجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية” (USCMO) .
تكتلات العرب والمسلمين الأميركيين لن تصوّت على الأرجح لدعم دونالد ترامب، بسبب عدائه للعرب والمسلمين ومحاولاته الدائمة تجريدهم من إنسانيتهم، لكنهم في الوقت ذاته سيمتنعون عن التصويت لبايدن، جراء دعمه العلني والمباشر لجرائم الدولة الصيهونية، في ظل تدشين حملات ممنهجة للمنظمات الإسلامية تدعو إلى حجب التبرعات والتصويت لمصلحة الرئيس جو بايدن في انتخابات 2024، بسبب موقفه من “دمار غزة”، وفقاً لوكالة “رويترز”.
من المرجح أن الخطاب الإعلامي والسياسي الأميركي الرسمي سيتغير خلال الأيام القليلة المقبلة، من خلال التلويح بالحل السياسي للدولتين، والضغط على تل أبيب لتغيير سياساتها الاستيطانية، مع دفعها إلى الانخراط في مسار المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وذلك بناءً على مجموعة من الأهداف البراغماتية العاجلة، أهمها خروج جو بايدن من نفق المحاصرة والسقوط السياسي، ومحاولة تحسين صورته محلياً ودولياً، فضلاً عن الحفاظ على مصالح أميركا وأمنها القومي، وتهيئة الوضع العام لتقويض التهديدات الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط.
نقلاً عن “النهار” العربي