في عالم متغير ومتسارع، أخذت الكثير من الظواهر والمشاكل أو غيرها من التسميات تطفو بشكل ملحوظ وتنمو أكثر فأكثر في المجتمع، حتى أصبحت تشكل أرقا للحكومات وللمجتمعات والأسرة أهمها "العزوف عن الزواج".
ساهمت تكاليف المعيشة الزوجية المرتفعة وغلاء المهور وتكاليف تجهيز القفص الذهبي وما يتبعه من مصاريف أخرى في جعل الشاب غير قادر على اتخاذ قرار الزواج، خشية تصعّبه القيام بالمهام الزوجية والأسرية الموكولة إليه، وكذلك الأمر نفسه ينطبق على الفتاة التي تخشى الاقتراب من الزواج من كثرة حالات الطلاق التي زادت أرقامها بصورة فلكية.
عنوسة ذكورية.. لماذا؟
يردّ المتخصص في الدراسات الاجتماعية الدكتور فارس العمارات ازدياد أرقام العنوسة الذكورية والأنثوية أيضا إلى عدم رغبة الطرفيْن في الانضواء تحت المظلة الاجتماعية التي تنادي باحترام العرف والعادة وعدم مخالفة الأطر الاجتماعية التي تعارف عليها المجتمع والأسرة من حيث الزواج في سنّ معينة. إذ في حال تجاوزتها الفتاة خسرتْ وإن تجاوزها الشاب ضاع عمره.
ما أظهرته الأرقام والدراسات تلك النتائج غير الحميدة والسلبية لظاهرة العنوسة التي أصبحت تعاني منها المجتمعات، بسبب الكثير من العناصر المحيطة التي حالت دون إقدام الطرفيْن على الزواج، خشية الوقوع في مشاكل كانا في غنى عنها، ولكن كان من المفترض على المجتمع والأسرة أن يحفزاهما ليرتبطا برباط مقدس يجمعهما.
وعنوسة أنثوية أيضا
ولهذه الأسباب، فإن ارتفاع العنوسة الأنثوية ما كانت لتكون، كما يقول العمارات، لولا عزوف الذكور عن الزواج، جراء عوامل عدة كانت وما زالت هي العصا في دولاب الزواج.
فكلما زادت تكاليف الزواج وزادت طلبات الأسرة، وبالغت الأنثى في التحضير لمراسم الزواج كان هناك تراجع في السعي للبحث عن شريكة العمر، والتفكير في الارتباط، وهو ما ينعكس سلبا على نسب الباحثين عن الزواج والارتباط، فيزيد المشهد تعقيدا، جراء تعنت كل طرف من أطراف المعادلة، ومن ثم ارتفاع أرقام الانتظار في صفوف الفتيات المقبلات على الزواج، ناهيك عن أنه كلما تقدم العمر لكليْهما تضاءلت فرص الارتباط أكثر.
المسألة تتطلب معالجة
ولكن اليوم أصبح المجتمع بحاجة إلى التشدق بالحلول أكثر من ذي قبل؛ فمن جانب الأسرة تجاه ابنتهم، لا بد من عدم الاستهانة بهذه الظاهرة وردّها إلى القسمة والنصيب، والانتظار لعل القادم أجمل، أو انتظار الفارس على الحصان الأبيض، أو تركها دون زواج ليكون لها دورها في مصاريف ونفقات المنزل جراء ظروف معينة.
وبالنسبة للشباب، هناك دعوة للجميع بدءا من المجتمع والأسرة والمؤسسات ليكونوا شركاء في مواجهة العزوبية، ومحاولة زيادة أعداد المتزوجين إذا خُففتْ عنهم التكاليف الزوجية وتذليل العقبات التي تقف في وجوههم فتمنعهم من الزواج، وهذا لن يتحقق إلا بوجود تشاركية حقيقية بين أطراف المعادلة من جهة، ومن جانب الأسرة من جهة ثانية، وذلك برسم سياسة معينة لتمكين الفتاة من الالتحاق بركب قطار الزواج، والشاب ليكون قادرا على الإنفاق على شريكته وأولاده في المستقبل، وفق العمارات.