جائحة كورونا انعكست سلبا على القطاع الثقافي في المغرب، من إلغاء المهرجانات الموسيقية إلى إغلاق دور السينما ومنع التجمعات وتوقف العمل في استديوهات التصوير، واقع تسبب بأضرار مادية للآلاف من العاملين في مجال الثقافة. ورغم الدعم المالي الذي قدمته الحكومة المغربية، إلا أن الوضع المادي للعاملين في الثقافة يظل صعبا.
وقد عانى العديد من الفنانين المغاربة من تبعات الإغلاق وتوقف العديد من الأنشطة الفنية والثقافية بسبب تفشي فايروس كوفيد – 19، والذي ظل تأثيره ساريا حتى بعد رفع تدابير الحجر الصحي.
ورغم مطالبة العديد من الفاعلين الفنيين باستئناف الأنشطة الفنية والثقافية وإعادة فتح القاعات السينمائية والمسارح وتنظيم المهرجانات مع اتخاذ التدابير الاحترازية اللازمة على غرار العديد من القطاعات التي استأنفت نشاطها، فإن العودة إلى سالف النشاط ليست بالأمر الهين.
وقع جائحة كوفيد – 19 كان قويا على رجال ونساء الفن، لاسيما منهم الموسيقيون الذين وجدوا أنفسهم أمام استحالة ممارسة مهنتهم ولو مؤقتا، بسبب إغلاق قاعات العرض وإلغاء عدد من المهرجانات ومنع تنظيم الحفلات.
وفضلا عن التداعيات المالية والاجتماعية لتفشي الوباء، فإن الموسيقيين الممارسين على مستوى عال أصبحوا في مواجهة مشكلة تراجع الأداء، حيث بات المطربون والعازفون على السواء مطالبين بتدريبات لاستعادة مؤهلاتهم سواء الصوتية أو تلك التي تخص العزف، تحسبا لعودتهم إلى أنشطتهم المعهودة بعد زوال الجائحة.
ويوضح مدير المعهد الوطني للموسيقى والفن الكوريغرافي بالرباط سمير تميم أن أي توقف عن النشاط المنتظم له تأثيره على مستوى أداء الموسيقيين المحترفين، على غرار الرياضيين الممارسين على مستوى عال.
ويتابع تميم في حديث له أن الموسيقى والغناء أو الفنون الكوريغرافية كلها ألوان قائمة على حركات المفاصل والحبال الصوتية التي تقتضي تمرينات منتظمة وبوتيرة تصاعدية، مضيفا أن الأمر ذاته ينطبق على الحركات والتعابير الجسدية للراقصين التي يجب تكرارها مرارا من أجل الحفاظ على الرشاقة وعلى القدرات التقنية.
إلا أن الحفلات والعروض والمهرجانات إذا كانت توقفت، فإن ألوانا فنية أخرى واصلت المسير في المقابل، ويتعلق الأمر على الخصوص بالجوانب المرتبطة بالتأليف والإنتاج الموسيقي.
وبحسب العازف على آلة البيانو والمؤلف الموسيقي محمد شباب، فإن الحياة مع الجائحة بالنسبة إلى الفنان “محنة رهيبة”، لكنها نقمة في طيها نعمة حيث أن “التوقف يمكن أن يكون إلهاما له”.
شباب الفائز بالجائزة الخاصة بالتحكيم سنة 2015 في مسابقة دولية موسيقية ببلغاريا، يقول في تصريح له إن “الوضع الاجتماعي للفنان يخلو من الطابع الراقي”، وأن هذا الرقي يمكن أن يبحث عنه في السفر وفي مخاطبة مخياله بما يمكنه من الإبداع.
ويتابع أنه بفضل هذا السفر في المخيال استطاع تأليف وإعداد ثلاثة ألبومات بألحان وأنماط ومواضيع موسيقية متنوعة.
وفي استوديوهات التسجيل تتزايد تنزيلات التطبيقات وأدوات الإنتاج الرقمي. ومع تواجد عدد قليل من الفنانين في أماكن عملهم، يقضي المنتجون والموزعون وقتا أطول في تحديث البرامج المعلوماتية التي يستخدمونها وتجريب الأدوات الجديدة ويخصصون وقتا أطول بكثير من المعتاد في إنتاج عمل موسيقي.
ويفيد المنتج والموزع الموسيقي هشام فتوشي في تصريح مماثل بأن لديه ما يكفي من الوقت الثالث الذي يعمل فيه على تحسين معداته وتطوير أدواته وتحديث التجهيزات الصوتية.
ووفق ما كشف عنه، منذ فرض حالة الطوارئ ومنع التنقل بين المدن، لم يستقبل فتوشي إلا فنانين قلائل داخل الاستوديو الخاص به، مضيفا أن معظم عمليات التعاون الفني تتم حاليا عن بُعد.
ويتابع أنه في ظرف 12 شهرا “ربما أكون قد قمت بتنزيل واختبار العديد من الأدوات والأصوات بعدد ما قمت بتنزيله خلال أكثر من 15 عاما من الممارسة”، وأن هذه السنة “من العطالة الجزئية” مكنته من استكشاف آفاق موسيقية جديدة وتطوير مستوى أدائه.
ومن المؤكد أن تداعيات الأزمة الصحية أثرت على جزء كبير من العاملين في قطاع الموسيقى، إلا أن تداعياتها لم تكن جميعها سلبية. فقد وجد فيها بعض الفنانين مصدرا للإلهام وفسحة استراحة لالتقاط أنفاسهم ومحاولة استكشاف آفاق فنية جديدة ومناسبة أيضا أبانت عن أهمية الفنون والموسيقى، بشكل خاص، في المجتمع.
وبالفعل، يقول تميم إذا كان لا بد من الحديث عن إيجابية عن الجائحة، فإنها كشفت عن تشبث عموم الناس بالموسيقى وبلحظات الفرجة، خالصا إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي عجت برسائل مرتاديها المتعطشين للموسيقى عبروا من خلالها عن رغبتهم في إعادة فتح أبواب القاعات من جديد.