الصحافي عاريا أمام الرصاص والدعاية للمقرات الإعلامية الخالية في غزة

تقارير وحوارات
قبل 3 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

أعربت وكالة أسوشييتد برس عن “صدمتها وارتياعها” إثر تدمير الجيش الإسرائيلي عبر ضربة جوية مبنى يحوي مكتبها ومكتب قناة الجزيرة في قطاع غزة المحاصر، في حادثة ألقت الضوء على مسألة الضجة الإعلامية التي ترافق المؤسسات الصحافية مقارنة بالصحافيين في الميدان.

وأثار استهداف مبنى الجلاء المكون من 13 طابقا بصواريخ عدّة، استنكارا دوليا واسعا، وقال المدير التنفيذي للوكالة غاري برويت في بيان “نشعر بالصدمة والارتياع من استهداف الجيش الإسرائيلي وتدميره المبنى الذي يضم مكتب أسوشييتد برس ومكاتب وسائل إعلام أخرى في غزة”.

وأضاف “يعرفون موقع مكتبنا منذ فترة طويلة ويعلمون بوجود صحافيين فيه. وقد تم تحذيرنا من أن المبنى سيُقصف”.

وتابع “هذا تطور مقلق للغاية. لقد تفادينا بصعوبة خسائر فادحة في الأرواح. كان نحو عشرة بين صحافيين من وكالة أسوشييتد برس وصحافيين متعاملين معها في المبنى ولحسن الحظ تمكنا من إجلائهم في الوقت المناسب”.

وفي حين أن برويت تلقى إنذارا قبل استهداف المبنى، إلا أن الصحافيين الذين يقومون بالتغطية الميدانية يواجهون الرصاص الحي أو الاعتقال دون إنذار سابق أو حماية، ولا يحظون بالاهتمام الواسع الذي تحظى به المؤسسات الصحافية ووسائل الإعلام في الظروف المماثلة.

ويصبح الصحافيون الضحايا مجرد ذكرى في قائمة سنوية تصدرها المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة.

وتلقت المؤسسات الإعلامية التي استهدفت مكاتبها في مبنى الجلاء دعوات لاستضافتها، حيث أعلنت نقابة الصحافيين عن وضع مقرها ومقدراتها في غزة تحت تصرف وسائل الإعلام والمكاتب الصحافية التي دمرت أو تضررت جراء القصف.

ويرى متابعون أن الأمر تحول إلى حملة دعاية وترويج من قبل المؤسسات الإعلامية لنيل التعاطف والتغطية الواسعة على حساب الصحافيين الذين يقومون بالدور الحقيقي ويخاطرون بحياتهم لنقل الوقائع وأحداث المعارك في الميدان.

واتخذت وسائل إعلام دولية عديدة قرارا بعدم إرسال صحافييها إلى مناطق الصراعات بعد مقتل الكثير منهم واستهدافهم من قبل أطراف الصراع، لذلك فإن الخطر الحقيقي على الإعلام نقل الحقائق هو بقاء الصحافي دون حماية.

وتركزت التغطية الإعلامية لقناة الجزيرة على استهداف مكتبها وسرديات عن دورها في تغطية الأحداث، رغم أن الطيران الحربي الإسرائيلي استهدف مكاتب ومقار 15 مؤسسة إعلامية، هي: قناة روسيا اليوم، التلفزيون الألماني ZDF، وتلفزيون دبي، قناة وروسيا اليوم بالإنجليزية، وقناة الجزيرة الإنجليزية، وقناة برس، وجريدة الحياة الجديدة، وقناة الأقصى، وإذاعة الأقصى، وقناة القدس اليوم، وقناة دبي 12، ومرئية الأقصى، ومؤسسة طيف الإعلامية، ومؤسسة هنا القدس الإعلامية، وشركة فلسطين للإنتاج الإعلامي.

وبقي خبر استهداف سيارة صحافيين فلسطينيين بصاروخ خلال تغطيتهم الإخبارية في القرية البدوية شمالي قطاع غزة، خبرا هامشيا في أفضل الأحوال، إذا ما تم التطرق له في بعض وسائل الإعلام، وقد تعرض الصحافيون لجروح وصفت بالمتوسطة والخفيفة، وهم المصورون مصطفى حسونة ومحمد العالول وداوود أبوالكاس ومحمود الخضري.

وأعرب الصحافي أبوالكاس في تصريحات صحافية عن أن السترة الواقية من الرصاص هي التي أنقذت حياتهم من موت وشيك.

وأفادت تقارير محلية، بإصابة سبعة صحافيين على الأقل برصاصات مطاطية أطلقتها الشرطة الإسرائيلية أثناء محاولتها إخراج الفلسطينيين من المسجد الأقصى في السابع من مايو الجاري.

وبالمقارنة بين خبر استهداف المكاتب الإعلامية الخالية، وإصابة الصحافيين والمصورين الناشطين الذين يقومون بمهمتهم في الشوارع الفلسطينية، فإن الخبر الأول احتل صدارة العناوين الإخبارية العربية والدولية والاهتمام الدولي والسياسي، دون أن يحظى الثاني بأي اهتمام.

وأبلغ البيت الأبيض إسرائيل بأن ضمان سلامة الصحافيين مسألة “بالغة الأهمية”. وكتبت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية جين ساكي في تغريدة “قلنا للإسرائيليين مباشرة إن ضمان سلامة الصحافيين ووسائل الإعلام المستقلة مسؤولية بالغة الأهمية”.

من جهتها، طلبت لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك توضيحات من الحكومة الإسرائيلية.

وقال المدير التنفيذي للجنة جويل سايمن “إن الهجوم الأخير على مبنى تعرف إسرائيل منذ فترة طويلة أنه يضم وسائل إعلام دولية، يثير تساؤلا حول احتمال أن القوات الإسرائيلية تستهدف عمدا منشآت إعلامية لتعطيل تغطية المعاناة الإنسانية في غزة”.

وأضاف أن “الصحافيين عليهم التزام وواجب تغطية الأحداث الجارية في غزة ومن غير القانوني أن يستعمل الجيش الإسرائيلي وسائل عسكرية لمنع ذلك”.

وفي باريس، أكّدت وكالة فرانس برس على لسان رئيسها التنفيذي فابريس فريس “تضامنها الكامل مع وسائل الإعلام التي دمّرت مكاتبها في غزة”، مطالبة باحترام “الحقّ في الإعلام”.

وقبيل استهداف المبنى قال صاحبه جواد مهدي في تصريحات للصحافيين من أمام المبنى، إن ضابطا في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية أبلغه في اتصال هاتفي بضرورة إخلاء البرج خلال ساعة من الاتصال.

ومع اقتراب المهلة من الانتهاء اتصل مهدي بضابط الاستخبارات مرة أخرى أمام الصحافيين وطلب منه تمديد المهلة لعشر دقائق إضافية، قائلا “أعطنا عشر دقائق ليذهب أربعة شبان بدروع صحافية لإحضار معداتهم، هم ليسوا مخربين”.

وبعد رفض الضابط تمديد المهلة تم قصف المبنى بعد وقت قصير بعدة صواريخ من الطائرات الإسرائيلية.

ويزعم الجيش الإسرائيلي وجود معدات عسكرية في المبنى المستهدف. ويقول إنه “قاعدة عمليات مهمة للاستخبارات العسكرية لحماس”.

ولم تستفد إسرائيل من درس الاستياء والتنديد ضد الجيش الأميركي، عندما قام بقصف فندق إقامة الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء الدولية في بغداد إبان احتلال العراق عام 2003.

وقصف الجيش الأميركي فندق فلسطين ميريديان في بغداد، بزعم وجود قناص فيه، مع علمه مسبقا أنه مركز المراسلين الأجانب وراح ضحية القصف مراسل “الجزيرة” طارق أيوب ومصورو “رويترز” البريطانية والتلفزيون الإسباني وجرح مراسل قناة “أبوظبي”.

ولا ينجح استهداف الصحافيين ووسائل الإعلام خلال الحروب بالتعتيم أو إخفاء الحقائق ما يجري على الأرض، بل يساهم في إثارة الاهتمام ويزيد من تساؤلات الجمهور الغربي حول طبيعة النزاع، مع حملة التنديد والاستنكار الدولية ونشاط المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي.