الروسية ليودميلا يورينا لـ"24 بوست": حلم الطفولة قادني من عيادة الغدد الصماء إلى تدريبات رواد الفضاء في روسيا (نص الحوار)

تقارير وحوارات
قبل ساعة 1 I الأخبار I تقارير وحوارات

 

× في روسيا مسابقة سنوية لتدريب وتأهيل الراغبين في رحلة إلى الفضاء..

 

× شغوفة بالفضاء منذ طفولتي ولأجل تحقيق الحلم علي ألا اتوقف أو أحبط

 

× التزلج والسباحة والجري والقفز من أهم الاختبارات البدنية

 

× زيارة القمر لم تكن مجرد رغبة طارئة، بل أمنية شغلت تفكيري منذ الصغر

 

 

 

  • حوار وترجمة: محمد علي محسن

 

في عالم تتهافت فيه الأحلام في الأرض، تبقى السماء نهاية الخيال وبداية المُمكن ، هناك، حيث يلامس الطموح حدود الكون، توجد مسابقة سنوية تفتح أبواب المجهول أمام الطامحين برحلة إلى الفضاء.

 

بين التزلج والسباحة والجري والقفز، تُختبر العزائم كما تُختبر الأجساد. شغف يبدأ من الطفولة، وإرادة لا تعرف الكلل، وحلم لا يعترف بالمستحيل.

 

في روسيا الاتحادية، يُقام برنامج سنوي لتدريب وتأهيل الراغبين في زيارة الفضاء. يدفع شغف الترحال إلى القمر الكثيرين من الجنسين إلى تقديم ملفاتهم إلى معهد إعداد رواد الفضاء، فور الإعلان عن المسابقة المفتوحة عبر قنوات التلفزيون والصحف. يتضمن الملف سيرة ذاتية للمتقدمين، مع البيانات المطلوبة التي ينبغي توافرها في كل مرشح يسعى للفوز بهذه الرحلة الفضائية.

 

في هذا الحوار، نلتقي بطبيبة روسية حوّلت شغفها إلى تحدٍّ، وحلمها إلى واقع، لتخوض رحلة استثنائية نحو النجوم.

 

وللتعرُّف على تفاصيل هذه المسابقة الجديرة بالتسليط عليها، أُجريت هذا الحوار مع الدكتورة الروسية" سيرجييفا ليودميلا يورينا 'طبيبة متخصصة في الغدد الصماء، وإحدى الفائزات بدعوة القبول، والتي خضعت لتدريبات استمرت ثلاثة أشهر في معهد يوري جاجارين – الذي سُمي تيمُّنًا بأول رائد فضاء روسي صعد إلى القمر في 11 أبريل 1961م فإلى نص الحوار:

 

  • في بداية اللقاء، أودّ أن تعطينا لمحة عن طبيعة البرنامج الروسي لتدريب الراغبين في رحلة إلى الفضاء.
  • د. ليودميلا: في نهاية عام 2020، شاهدت إعلانًا على التلفزيون في القناة الأولى عن مشروع فريد: تصوير فيلم في الفضاء. والأمر المثير للاهتمام أنهم أعلنوا عن مسابقة للدور الرئيسي. تلقّت المسابقة طلبات من فتيات ونساء تتراوح أعمارهن بين 25 و45 سنة، ولم يكن شرطًا أن تكون المتقدمة ممثلة، بل يمكن أن تكون من أي تخصص وفق شروط المسابقة.

 

  • وهل هناك شروط محددة للمتسابق، أم أن المسألة مفتوحة؟
  • بالطبع، كان يجب أن تتوافق المتقدمة مع متطلبات رواد الفضاء، وهي متاحة على موقع وكالة "روسكوسموس" والقناة الأولى.

 

  • ولكنك طبيبة، ولديك اسمك ومهنتك وتخصصك، فما حاجتك لزيارة الفضاء؟
  • زيارة القمر شغف راودني منذ الطفولة، لم يكن مجرد رغبة طارئة، بل أمنية شغلت تفكيري منذ الصغر. لذلك، ما إن شاهدت الإعلان على الشاشة حتى سارعتُ إلى التقديم للمسابقة. في ذلك الوقت، كنت أعمل منذ ست سنوات في عيادة مدنية.

 

 

  • هل الشغف كافٍ لترك عملك، أم أن مردَّ ذلك أعباء الحياة أو ملل الوظيفة؟
  • لا يمكنني القول إن العمل لم يعجبني، بل على العكس، كنت أحب عملي، وكان لدي مرضى جيدون... كل شيء كان على ما يرام، لكن الحياة كانت رتيبة ومبتذلة في ذلك الوقت.

 

  • في أي عام حدث هذا؟
  • حدث ذلك بينما كان العالم منشغلًا بجائحة كورونا. في ذلك الوقت، بدأ فيروس كورونا (COVID-19) بالانتشار، وأُعلنت الجائحة ليس فقط في روسيا، بل في بلدان أخرى أيضًا. في وقت انشغلت فيه الحكومات والمجتمعات بالهروب والانكفاء بعيدًا عن الفيروس القاتل، تقدّمت بطلب للذهاب إلى الفضاء... كان عمل عيادتنا يجري بنظام مغلق، أي أن المرضى لم يأتوا إلى العيادة بأنفسهم، بل كنا نُجري الفحوصات ونكتب الوصفات الطبية في المنازل. وكان هناك الكثير من العمل مع الوثائق. بشكل عام، العمل كان أصعب من المعتاد، لكنني استطعت التعامل مع العبء، وكان كل شيء جيدًا إلى حد ما.

 

  • وإذا كان حالك هكذا، فما شأنك وشأن الفضاء؟
  • كنت أرغب في تغيير حياتي والقيام بأشياء أخرى، سواء كانت ضمن مجال تخصصي أم لا. فالعمل كطبيب لا يقتصر على العيادات أو المستشفيات. لطالما كان لدي اهتمام بالأشياء غير العادية، مثل الانضمام إلى بعثة استكشافية لتقديم الدعم الطبي، أو حتى تقديم العلاج في الحالات الطارئة. إنه يشبه طب الكوارث..

 

 

  • ألا يكفي انك طبيبة وتخصصك حديث ومطلوب في كافة المستشفيات الخاصة أو العامة؟
  • بالتأكيد أرغب بالانضمام إلى فيلق رواد الفضاء ، فلست الطبيبة الوحيدة المهتمة بشؤون الفضاء ، فلدينا أطباء رواد فضاء في روسيا. فمن أشهر أطباء رواد الفضاء في بلدنا روسيا :  بوريس بوريسوفيتش إيغوروف - أول طبيب رائد فضاء في العالم، في ١٢ أكتوبر ١٩٦٤، انطلق في رحلته الفضائية على متن مركبة فوسخود الفضائية، واستغرقت الرحلة يومًا و١٧ دقيقة.

وهناك رواد أطباء اذكر منهم ، فاليري فلاديميروفيتش بولياكوف، الذي قام برحلتين فضائيتين، وأتكوف أوليج يوريفيتش، وكوتوف أوليج فاليريفيتش، الذي شارك في ثلاث رحلات فضائية، مدة الرحلة الإجمالية 526 يومًا و6 ساعات ودقيقتين؛ ذهب إلى الفضاء الخارجي 6 مرات.

 

  • هل أخذت في اعتبارك تبعات هذا الشغف على عملك ودخلك المالي؟ وهل هناك شروط قبول؟
  • نعم، كنت مهتمة جدًا، وكان يجب عليّ اجتياز دورات تدريبية خاصة. وعُرض عليّ شيء أكثر إثارة: مشروع فضائي بدا لي مثيرًا للاهتمام، ذا آفاق واسعة وغير عادي... بدأت أتعرف على شروط الاختيار، وأدركت أنني أستوفي جميع المتطلبات.

 

  • ماذا كان مطلوبًا من المتقدمين في البرنامج؟
  • كل ما كان مطلوبًا مني هو إرسال فيديو مع مونولوج "تاتيانا لابينا" من قصيدة "يفجيني أونيغين". في الواقع، كانت المسابقة إبداعية. حاولت تصوير نفسي بعد العمل وفي المنزل...

 

  • كيف سارت الأمور معك، وهل واجهتك صعوبة؟
  • لم يكن الأمر يسير بنجاح كبير. في النهاية، صورّتني مدربتي في صالة الألعاب الرياضية، في غرفة اليوغا على الأراجيح، لكن هذا لم يكن واضحًا في الفيديو. خرج الفيديو جيدًا بشكل عام، وأرسلت طلبي إلى القناة الأولى.

 

  • قلتِ إن المرة الأولى لم يكن النجاح حليفك؟
  • نعم، بعد ذلك أُعلنت نتائج المسابقة، وتم اختيار 10 أشخاص من جميع المتقدمين، وكان غالبيهم من الممثلات. وكانت "يوليا بيريسيلد" – الممثلة السينمائية الشهيرة في روسيا – هي الفائزة.

 

  • من الواضح أن غالبية المتقدمات من الوسط السينمائي، فهل كان طلبك مجرد فضول لطرق أبواب الفضاء؟
  • يمكنني القول إن اهتمامي بالتمثيل في فيلم لم يكن بقدر رغبتي في الذهاب إلى الفضاء. بدأت أستكشف ما هو مطلوب مني كطبيبة في الفضاء، واكتشفت الكثير من الأمور الجديدة والمثيرة – مثل الطب الفضائي.

 

  • ماذا اكتشفتِ بعد إخفاقك الأول؟
  • بدأت أقرأ كثيرًا وأتعرف على هذا المجال. في نهاية عام 2021، تركت العيادة. عملت في عيادات خاصة، وفي الوقت نفسه، كنت أستعد للانضمام إلى فريق رواد الفضاء الذي يتم اختياره بشكل مفتوح. يُجرى هذا الاختيار بشكل غير متكرر في مركز تدريب رواد الفضاء.

 

  • ماذا كان رد فعل عائلتك وزملائك على سعيك للانضمام إلى رواد الفضاء؟
  • عندما أخبرت زملائي في العمل وأفراد عائلتي عن حلمي الفضائي وعن إرسال الوثائق للمسابقة، استقبل الجميع الخبر بتفاعلات متضاربة. لم يفهم أحد لماذا هذا ضروري... قالوا: "لو عشتِ كباقي الناس العاديين، لتزوجتِ وأنجبتِ أطفالًا... ماذا أيضًا؟ كل ما يمكن أن ترغب به فتاة؟" وبشكل عام، أنا أوافقهم الرأي.

 

 

  • كيف توافقينهم وتعملين خلافًا لنصائحهم ورغباتهم؟!
  • لكني أرى كل شيء بشكل مختلف، بطريقتي الخاصة. في العيادة، يأتيني مرضى يشكون من حياتهم بالإضافة إلى شكواهم من الأمراض. يشتكون من أنهم لا يملكون المال لشراء الأدوية.

 

  • ولكن هذه الشكوى معتادة في أي مجتمع، ولا تقتصر على بلد أو شريحة بعينها؟
  • ما أود قوله هو أن تلك الشكاوى خلقت في داخلي رغبة في الاعتماد على الذات والابتعاد قدر الإمكان عن الارتباط، كي لا أجد نفسي مثل النساء الشاكيات الساخطات من تبعات الزواج والإنجاب.

 

  • ماذا كانت شكوى مرضاك؟
  • يشتكون من أقاربهم، من الزوج... من الزوجة... من الأطفال... وغيرها. ماذا يمكن أن يفعل الطبيب حيال ذلك؟

 

  • طبيعي جدًا أن تكون هناك شكوى وتذمّر من الحياة، ولكن هل ذلك كافٍ لدفعك بعيدًا؟ ألا ترغبين في أن تكوني أمًا وزوجة ولديك عائلة؟!
  • أرغب في ذلك، لكنني لم أعثر على الرجل المناسب الجدير بتحمل مسؤولياته الزوجية والعائلية. من خلال مقابلتي للكثير من الحالات، وجدت أن هؤلاء الأشخاص عاشوا دائمًا بهذه الطريقة، ويبدو لي أنهم اعتادوا على هذه الحياة لدرجة أنهم لا يرغبون في تغيير أي شيء، وحتى إذا أرادوا، لا يتخذون أي فعل لتحقيق ذلك.

وعندما أعود من العمل إلى البيت بالمترو أو الحافلة، أراقب الناس... يذهبون إلى شققهم في المباني المتعددة الطوابق (مثل أعشاش النمل)، هم متعبون جدًا، ويعيشون على الأغلب من راتب إلى راتب، لا يستطيعون تحمل تكاليف أي شيء... وكل يوم يواجهون نفس المشكلات، نفس العمل.

 

 

 

  • لكنهم ينعمون باستقرار نفسي نسبيًا!!
  • نعم، لقد خلقوا لأنفسهم "ظروف حياة مستقرة"، ولذلك يخشون تغيير أي شيء. يا إلهي، لا سمح الله لو أن المدير قام بطردهم من العمل... سيكون هذا نهاية العالم... وهم مستعدون لتحمل كل شيء، المهم ألا يخرجوا من "ظروف حياتهم المستقرة". هذه الآفاق في العيش تبدو لي الأكثر فظاعة ورعبًا، ولم أرغب في العيش وفقًا للسيناريو العام المقبول.

 

  • لهذه الأسباب ترغبين في أن تكوني أكثر من مجرد طبيبة؟
  • رغبتي الفضائية بدت غير طبيعية للجميع... لكنني، على العكس تمامًا، كنت أرى من حولي أشخاصًا يخشون كسر نمط حياتهم المعتاد، كما لو أن الإطار المقبول عمومًا "ابتلعهم" ولا يسمح لهم بالمغادرة.

 

  • وهل ترك الأمر لك لتقرري مصيرك المهني والمستقبلي، أم أن الفضول دفعهم لمتابعة أخبارك؟
  • ظهر لدي "مراقبون" في العمل وبين الأصدقاء، كانوا مهتمين فقط بما قد ينتج عن الأمر... هل سأنجح أم لا...

 

  • في المرة التالية، كان استعدادك أكثر، ولهذا نجحتِ وخضعتِ لتدريبات البرنامج؟
  • في الواقع، كنت أفهم تمامًا أنني لا يجب أن أستجيب للمتطلبات المطلوبة من المرشحين لرحلات الفضاء فقط، بل يجب أن أكون مثيرة للاهتمام للجنة اختيار الطاقم الفضائي حتى يوجهوا لي الدعوة شخصيًا. كنت أدرك تمامًا أن طبيبة عادية من العيادة الخارجية لن يتم استدعاؤها.

 

  • كيف أقنعتِ لجنة الاختيار بالموافقة على طلبك واختيارك وتوجيه الدعوة لك؟
  • بدأت في البحث عن معلومات حول إعادة التدريب والدورات التكميلية. وجدت في مدينتي سانت بطرسبرغ معهدًا رائعًا – الأكاديمية الطبية العسكرية باسم كيروف، حيث يوجد قسم الطب الجوي والفضائي (АиКМ). تعرفت على موعد الدورة الجديدة للأطباء وقدمت الأوراق هناك في عام 2022.

 

  • بعد أن نجحتِ، كم كانت فترة التدريب، وكيف جرت تلك التدريبات؟
  • أكملت دورات إعادة التدريب هذه على مدى 3.5 أشهر. أحببت كثيرًا الغوص في عالم الطب الفضائي. كل شيء كان مثيرًا للاهتمام بالنسبة لي. لكن متطلبات لجنة اختيار الطاقم الفضائي كانت تتطلب خبرة عمل في هذا التخصص.

 

  • كيف تم معالجة هذه المشكلة؟
  • بدأت أبحث عن مكان يمكنني العمل فيه بشهادة هذا التخصص. لم يكن من السهل العثور على وظيفة في هذا المجال النادر. لكنني وجدت في منطقة لينينغراد مستشفى جويًا، كان هناك شاغر بسبب إجازة أمومة قد تحرر للتو. بالطبع، ذهبت إلى هناك على الفور للالتحاق بالعمل، واستقبلوني.

 

  • ولكن منطقة لينينغراد بعيدة، والسفر شاق إلى هناك..
  • نعم، هذا صحيح. وبما أن هذا المستشفى الجوي يقع في منطقة لينينغراد في مدينة غاتشينا، كنت أصل إليه كل يوم في ساعتين ونصف من بيتي: بالحافلة، ثم بالمترو إلى المحطة، ومن هناك بالقطار الكهربائي، والعودة أيضًا بنفس الطريقة. كان هذا الطريق مرهقًا بالطبع. كان عليَّ الاستيقاظ مبكرًا والجري لألحق بكل شيء. كان إفطاري يبدأ في القطار الكهربائي. فقط في آخر شهرين من عملي تمكنت من استئجار شقة هناك. كنت أفعل كل شيء لأتوافق مع متطلبات الاختيار وأطور في نفسي الجوانب القوية. بالطبع كان الأمر صعبًا، واجهت بعض المشاكل المالية، ونقصًا في الوقت، وحجمًا كبيرًا من المعلومات التي كان يجب عليّ تذكرها. لم يذهب جهدي سدى، المهم أنني حصلت هناك على خبرة ثمينة في العمل مع الطيارين الذين كانوا يخضعون للفحص هناك ويحصلون على التصريح للطيران.

 

  • هل يمكنك الحديث عن طبيعة هذه التدريبات؟
  • في هذا المستشفى، توجد غرفة ضغط ثابتة تُحاكي الارتفاع إلى 5 كيلومترات. أقنعت المدير بالسماح لي بالدخول إلى هذه الغرفة واجتياز الاختبار مع الطيارين. ونجحت في ذلك في النهاية. عملت هناك لمدة نصف عام. الشيء الأهم – في دفتر عملي مُدوَّن أنني عملت هناك.

 

  • ماذا استفدت من تجربتك؟
  • في حياتي، لاحظت شيئًا – عندما أبدأ بالاهتمام بشيء ما، تفتح لي "طرق جديدة". وكنت أعرف مسبقًا أنه إذا لم أتعثر بسبب المشاكل، فسوف يفتح الله لي طريقًا نحو تحقيق حلمي، وهكذا كان.

 

  • كيف كان تفاعل القائمين على تلك المنشآت التعليمية معك؟
  • خلال دراستي في قسم الطب الجوي والفضائي، أعطوني جهات اتصال لأشخاص من اتحاد رواد الفضاء في بيترنا، يقع مكتب هذا الاتحاد في قلعة بيتروبافلوفسك، حيث يوجد أيضًا متحف الفضاء. التقيت بهؤلاء الأشخاص، وقد دعموني وأعطوني النصائح اللازمة.

 

  • هل كل هذه الإجراءات كافية لقبولك في مركز تدريب رواد الفضاء؟
  • في يوليو من العام الماضي، أُعلن أخيرًا عن انتقاء مفتوح، وقمت بجمع كل الوثائق بسرعة في شهر وأرسلتها إلى مركز تدريب رواد الفضاء. الطريقة التي جمعت بها الوثائق – قصة منفصلة.

كانت هناك حاجة إلى الفحوصات الطبية والوثائق الدراسية والكثير غير ذلك. النتيجة كانت مجلدين كبيرين. ثم انتظرت ردًا منهم، رغم أنه ربما لم يكن الانتظار طويلًا... لكن عندما تنتظر شيئًا، يبدو الوقت طويلًا. اليوم الواحد يصير أسبوعًا. أخيرًا، اتصلوا بي في بداية نوفمبر وطلبوا مني الحضور للاختيار الشخصي!!

 

  • كيف استقبلت الخبر؟ وهل كانت رسالة مكتوبة أم إعلانًا أم اتصالًا هاتفيًا؟
  • كنت سعيدة جدًا بتلك المحادثة الهاتفية، لدرجة أنني لم أجد مكانًا لنفسي. سرعان ما بدأت بالتحضير... كنت أتساءل كيف يمكن التحضير في أسبوعين، كما هو محدد في دعوة القبول.

 

  • كيف كان شعورك عند توجهك إلى مركز تدريب رواد الفضاء؟
  • عند وصولي إليهم في اليوم الأول – كنت منتشية بالسعادة ولم أستطع إخفاء ذلك، ربما هذا ما أعاقني. يجب أن أتعلم كيفية إخفاء مشاعري. استقبلوني للإقامة في فندق بالموقع. كان الشتاء، باردًا، تساقط الكثير من الثلج، وكانت الأرض زلقة بسبب الجليد تحت الثلج.

 

  • هل هناك معايير بدنية أو نفسية يراعى أن تتوافر في المرشح المقبول في المركز؟
  • نعم، هناك معايير ينبغي أن تتوفر في الشخص المتدرب. أول هذه الشروط هو الاختبار البدني – قامت بتقييمه لجنة مكونة من مسؤولين عن التدريب البدني لرواد الفضاء، كان هناك العديد من الناس، وكل شيء كان يُصوَّر بالكاميرا.

 

  • ماذا طلبوا منك كطبيبة متدربة؟
  • اقترحوا عليّ أن أتقدم لمعيار التزلج، لكنني لست جيدة جدًا في التزلج، فرفضت. قلت لهم إنني متزلجة جليد، ويمكنني أن أقدم عرضًا على الجليد. فضحك الجميع، وبدلاً من التزلج، قدمت اختبار الجري في الصالة.

 

  • كم كانت مسافة الجري، وهل نجحت في الاختبار؟
  • كان عليَّ الجري لمسافة 1 كم في 3 دقائق و30 ثانية. وأعتقد أن هذا كان أصعب اختبار بالنسبة لي، بالكاد ركضت... لم أركض هكذا من قبل. ثم على أجهزة تدريبية محددة، قدمت المعايير.

 

  • والجري والتزلج، فهل هناك معايير اختبارية بدنية إضافية؟
  • اليوم التالي – المعايير في حوض السباحة. كان يجب عليَّ السباحة لمسافة 800 متر في 22 دقيقة. هذا كان أسهل بكثير من الجري. ثم كان عليَّ القيام بقفزة منصة من ارتفاع 3 أمتار في حوض السباحة، والسباحة عبر المسبح بطول 25 مترًا بنفس واحد. المعايير في الماء كانت أسهل بالنسبة لي من كل شيء آخر.

 

  • وماذا بعد السباحة والقفز؟
  • وقفت في وضعية "رومبرغ" بعيون مغلقة على ساق واحدة لمدة 3 دقائق و47 ثانية. كانت هناك تمارين مختلفة، نجحت فيها جميعًا.

 

  • حسنًا، ماهية وضعية رومبرغ ؟
  • تُستخدم وضعية رومبرغ لتحديد قدرة الشخص على الحفاظ على التوازن. ويستخدمها أطباء الأعصاب عادةً لتشخيص اضطرابات تنسيق الحركة.

 

  • ماذا عن المعايير النفسية والذهنية؟
  • نعم، هناك معايير نفسية وذهنية. في اليوم الرابع – الاختبار النفسي والذهني، الذي يشمل أيضًا اختبارات في الفيزياء والرياضيات... واختبارات مختلفة على المنطق وسرعة الاستجابة. أيضًا جلسات وحوارات مع علماء النفس.

 

  • كيف كان تقييمك من قبل المشرفين على هذه الاختبارات؟
  • لا يمكنني سرد كل شيء، لكن أقول إنه بعد المرور بكل ذلك ومراجعة كل الأسئلة في ذهني... كنت أستطيع الإجابة بشكل أفضل. أعرف الآن كيف أستعد. لم أكن مستعدة تمامًا للاختبارات، خاصةً أنها كانت محدودة زمنيًا.

 

  • أفهم من حديثك أنك لم تجتازي تلك الاختبارات البدنية؟
  • لو أعطوني فرصة ثانية لأجتيازها، لاجتزتها كلها، لأنني الآن أعرف كل شيء.

ولكي أتأهل للاختبار الشخصي لرواد الفضاء، كان عليّ إعادة التدريب كطبيبة في طب الطيران والفضاء، وكانت هناك أيضًا دورة في طب الكوارث. وبعد ذلك فقط أتقدم بطلبي للاختبار.

 

  • هل شعرت بالإحباط من أول تجربة لك في عالم الفضاء؟
  • نعم، كنت محبطة، فلم أكن موفقّة، وكان عليَّ الإلمام بتفاصيل هذه الاختبارات. عندما كنت عائدة إلى البيت على متن القطار الليلي بين موسكو وبطرسبورغ، أحسست بهذا الإحباط.

تمكنت من الانضمام إلى المحاضرات حول مواضيع فضائية، التي تُعقد في بيتر في معهد ГУАП. كانت هناك مسابقة – يجب أن تلتقط صورة لك وأنت تشاهد محاضراتهم عبر الإنترنت. الجائزة الكبرى كانت – إرسال هذه الصورة إلى محطة الفضاء الدولية. قررت المشاركة لألهي نفسي بعض الشيء.

 

 

  • ما طبيعة هذه المسابقة؟
  • هي محاولة لإضفاء المرح واستبعاد الضجر. كل ما هو مطلوب من المتسابق أن يرسل صورة له، قامت مضيفة القطار بتصويري، والأمر الأكثر إثارة للاهتمام – بعد شهر، علمت أنني فزت، وسيتم إرسال صورتي هذه إلى الفضاء على متن صاروخ شحن إلى محطة الفضاء الدولية. وفكرت، ربما يكون هذا بمثابة بداية، ولا يجب عليَّ التوقف؟ على فكرة، صورتي هذه من القطار موجودة الآن في محطة الفضاء الدولية..

 

  • كلمة أخيرة تودين قولها!
  • شكرًا لكم، وتحياتي لكل من وقف معي وشجعني، وخصوصًا عائلتي، والدتي وشقيقي... لقد تابعت أخبار رائدة الفضاء السعودية "ريانة برناوي"، وسررت جدًا بما لاقته من دعم وحفاوة استقبال. وهي بالمناسبة متخصصة في البحوث المخبرية...

سأحاول الاجتهاد أكثر إلى أن أحقق حلمي في بلوغ الفضاء.. تحية وتقدير لكل القراء والمتابعين العرب.

 

كانت سعادتي كبيرة حين رأيت في مركز تدريب رواد الفضاء تذكارين لرائد فضاء سوري من نهاية الثمانينات، كانا عبارة عن حنطة قمح وكمية تراب من دمشق.. يا إلهي، ما أجمل أن يحقق الإنسان حلمه..

 

هكذا تبقى الأحلام أقوى من كل الإحباطات، وأكبر من كل الصعوبات. ليودميلا. 

 

الطبيبة التي لم تكتفِ بعلاج الأجساد، بل سعت لشفاء الروح بالشغف والإصرار.

 

رحلة لم تنتهِ بعد، لكن خطواتها الأولى تُثبت أن النجوم ليست بعيدة عن أولئك الذين يؤمنون بأن المستحيل مجرد كلمة.

وفي كل مرة تُرسل فيها صورة إلى الفضاء، أو تلمس فيها ترابًا من دمشق في مركز للتدريب، نذكر أن الأحلام لا تعرف حدودًا، وأن الفضاء ينتظر كل من يجرؤ على الطيران ..