حط المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ ومعه المبعوث الأميركي تيم لندركينغ أمس (الأحد) رحالهما في العاصمة العمانية مسقط، ضمن جولة في المنطقة كانا استهلاها من العاصمة السعودية الرياض بحثا عن حلول تطوي الصراع في اليمن، وهي الحلول التي يرى العديد من المراقبين أنها لا تزال صعبة المنال.
وفي حين يتوقع أن يلتقي المبعوث الأممي ممثلي الميليشيات الحوثية الذين يتخذون من مسقط نقطة ارتكاز في علاقاتهم الخارجية، أفادت المصادر الرسمية العمانية بأن المبعوثين التقيا - كل واحد على حدة - وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي وعددا من المسؤولين العمانيين.
وذكرت وكالة الأنباء العمانية أنهما استعرضا «آخر المستجدات على الساحة اليمنية، والجهود المبذولة لإنهاء الحرب، وتبادل وجهات النظر حول المساعي المبذولة لتأمين وقف شامل ودائم لإطلاق النار من قِبل كافة الأطراف وتسهيل انسياب المواد الإنسانية والدخول في عملية سياسية تحقق تطلعات الشعب اليمني الشقيق نحو الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية وإعادة البناء والإعمار».
وعلى مدار الأشهر الماضية وحتى انتهاء عمل المبعوث الأممي السابق مارتن غريفيث، حاولت مسقط أن تقود وساطة مع الميليشيات الحوثية لإقناعها بوقف النار بناء على خطة غريفيث المنسجمة مع مبادرة كانت السعودية قدمتها في سياق السعي لطي صفحة الصراع.
ورغم أن هذه الجهود لم تسفر عن نتيجة ملموسة لجهة تعنت الحوثيين وتقديمهم جملة من الاشتراطات فإن واشنطن وفقا لتصريحات مبعوثها إلى اليمن لا تزال تراهن على هذا الدور العماني في إقناع الجماعة بالجنوح إلى مسار السلام والتوقف عن تصعيد العمليات القتالية.
وكان المبعوثان أنهيا الأسبوع الماضي مشاورات في الرياض مع مسؤولين يمنيين بينهم الرئيس عبد ربه منصور هادي ومسؤولون سعوديون وخليجيون، وهي الجولة الأولى للمبعوث الأممي منذ تسلمه مهمته خلفا لغريفيث.
وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه «أكد عزمه على الإصغاء إلى الأطراف والانخراط في مناقشات جادة ومستمرة حول سبل المضي قدماً نحو تسوية سياسية شاملة وتحاكي تطلعات اليمنيين رجالاً كانوا أو نساءً».
وذكر البيان أن المبعوث الأممي استمع إلى أولويات الحكومة وأجرى «حواراً بناءً حول التحديات الحالية وكيفية المضي قدماً». وأنه «شدد على أن الالتزام الجاد من قبل جميع الأطراف بالانخراط بحسن نية هو خطوة أولى ضرورية لإحراز تقدم في الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة من أجل السلام».
وأضاف أنه «تبادل وجهات النظر مع ممثلي الأحزاب السياسية حول سبل إعادة إحياء العملية السياسية. والتقى بالأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف ومسؤولين سعوديين وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن».
ومن غير الواضح حتى الآن تفاصيل المسار الذي سيسلكه المبعوث الأممي في التعاطي مع تعنت الميليشيات الحوثية، بخاصة مع تصريحات قادتها الأخيرة التي توعدوا فيها باستمرار القتال ومهاجمة المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، بما فيها محافظة مأرب.
وفي الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة الشرعية بالمرجعيات الثلاث للحل، يسود الأوساط السياسية اليمنية حالة من عدم التفاؤل في ظل إصرار الميليشيات الحوثية على التصعيد العسكري، إلى جانب ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية واضطرابات في المناطق المحررة وعدم تمكن الحكومة الشرعية من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن لممارسة مهامها.
ومع انخفاض نسبة التفاؤل في الأوساط اليمنية بهذه الجهود، يرى العديد من السياسيين أن على واشنطن تبديل نهجها في التعامل مع الحوثيين لإرغامهم على الانخراط في مسار السلام، بخاصة بعد أن فهموا رسائل خاطئة من إدارة بايدن، إثر إلغاء تصنيفهم من قوائم الإرهاب.
ويعتقد الأكاديمي والباحث السياسي اليمني فارس البيل أن «التحركات الجديدة للمبعوث الأممي الجديد والمبعوث الأميركي لا يبدو أنها قادرة على إحراز نجاح في مسار التفاوض السياسي، إذ إنها لا تزال حتى الآن محكومة بذات الرؤية والرتابة والاستراتيجية، بالاعتماد على أن ميليشيا الحوثي ستقترب من الحل بطرق سياسية».
ويقول البيل في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في سبيل هذا الأمل تم تجاهل كل حيثيات الأمم المتحدة وأطر الحل المعتمدة في القرارات الأممية، وفي سبيله أيضا تمت ممارسة حملة كثيفة من الدلال والتغاضي عن ميليشيا الحوثي، التي قابلت كل هذه الجهود الناعمة باستراتيجية أكثر ميوعة، فاعتمدت سياسة المناورة واختلاق المشكلات والضغط بأوراق تبادلية، فمنحتها هذه الاستراتيجية مزيدا من الوقت والتمدد والتمكن والأهم المزيد من التدمير والإيذاء لليمنيين وتهديد السلم والأمن الإقليمي».
ويشير الدكتور فارس البيل إلى أن الميليشيات الحوثية استطاعت - بحسب قوله - «وضع كل هذه التوجهات الدولية والوساطات في فراغات متعددة، من دائرة الحديدة إلى دائرة مأرب إلى دائرة المطارات والرواتب إلى دائرة الأسرى إلى دائرة المساعدات... الخ وهكذا في كل مرة تفتح في وجه المجتمع الدولي جبهة مناورة جديدة، لنسيان الاستحقاقات الأساسية».
ويرجح البيل أن هذه التحركات الأممية والأميركية وغيرها «لن تحقق أي نتيجة ما دام أنها لم تعطل استراتيجية الحوثي بدءا، وتفرض عليه تصورات الحل الأساسية لا تصوراته ورغباته هو في الحل».
ويجزم أن الحوثي «يريد بكل هذه المناورات ألا يصل اليمن إلى السلام، وهو لا يريد أن يتقاسم السلطة مع أحد حتى لو اعترف به العالم، بل يريد أن يبقى اليمن قاعدة عسكرية لتحقيق مشروع إيران الاستراتيجي في المنطقة».
ويضيف «ما لم يتعامل الوسطاء والمجتمع الدولي مع هذه الحقيقية بحلول جذرية، فلن نشاهد سلاما حقيقيا في اليمن، ولن تجدي مئات من هذه اللقاءات والمفاوضات ولو لسنين طويلة».