كانت البسمة تملأ وجه "عبده نبيل" كما هو الحال للحاضرين جميعهم، في إحدى حفلات الأعراس بقرية من قرى مديرية "المقاطرة" بمحافظة لحج قبل أن تتحول الفرحة إلى مأتم كربلائي.
بالتزامن مع احتفال "منذر عبدالله أحمد" بعرسه في دار "أحمد عبدالله" بقرية "دار الزوم" بعزلة المدجرة، داهمت الحفل صاعقة رعدية مصاحبة لهطول الأمطار وضرب البرق مكان العرس مما أسفر عن مقتل "عبده" وإصابة ثلاثة آخرين بجروح، ناهيك عن نفوق الأغنام في المنزل والتسبب بأضرار مادية في الممتلكات كما أحدث البرق تشققات في المنازل المجاورة وحالة الهلع في أوساط الناس.
سكتت الفرحة وسرى الرعب في قلوب الأهالي، ونقل "عبده" ملفوفًا بالوجع إلى مستشفى "خليفة" بمدينة "التربة" إلى جانب المصابين الآخرين "بلال عبده أحمد، وخالد فيصل عبده سيف، والطفل محمد عبدالله أحمد ثابت، وتفاوتت إصابتهم بحسب الطبيب بمستشفى خليفة "صلاح الصبري" إلا أن "عبده نبيل" وصل إلى المستشفى وقد فارق الحياة ليكون بذلك خامس متوف بالبرق خلال شهر واحد في اليمن.
الموت بالبرق من ناحية طبية
وأحدث البرق في قرية "المدجرة" إلى جانب وفاة أحدهم والتي قد ترجع إلى زيادة ضربات قلبه نتيجة إصابته بالبرق بحسب الدكتور صلاح الذي تحدث لـ "وكالة يمن للأنباء" والذي قال إن إصابة الطفل "محمد عبدالله أحمد" بشبكية العين استدعى إلى تدخل جراحي وتقديم الإسعافات الأولية له، فيما الثاني إصابته طفيفة لينقل المصاب الثالث إلى المستشفى الجمهوري بمحافظة تعز لمتابعة حالته والتي ترجع إلى زيادة في نبضاته.
من ناحية طبية يؤكد الدكتور صلاح أن حيثيات الوفاة تكمن في إصابة البرق للقلب كونه يملك ثلاث عقد كهربائية وتعرض هذه العقد للبرق يؤدي إلى الإخلال في عملية النبض وتوزيع الدم.. مؤكدًا في الوقت ذاته أن العقد التي في القلب هي كهربائية وظيفتها إرسال شرارات للقلب كي ينقبض وينبسط ليضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم فتأتي شرارة كبيرة (البرق) لتضرب هذه العقد مما تسبب لها زيادة وتسارعاً لضربات القلب، التي تكون قوية، ومعها لا يكتف الجسم بالدم القادم من القلب كونه قد فقد الانقباض والانبساط الطبيعي مما يؤدي إلى "هيبوكسية" ونقص الاكسجين مما يسبب الوفاة.
وعن ما إذا ما كانت إصابة البرق للإنسان بالتفحم من عدمه، يضيف: "الإصابة بتيار مستمر والضغط العالي يؤدي إلى تفحم الجسم لكن الشرارة تختلف، منها ما تؤدي إلى الوفاة ومنها ما تؤدي إلى الإصابة، فيما أي شخص تعرض للبرق يبقى تحت الملاحظة الطبية لمدة ثلاثة إلى أربعة أيام كي يتابعوا له النبض والضغط وتشبع الدم بالأكسجين والحرارة، لأن الأخيرة ترتفع ارتفاعاً جنونياً وهو ما يستدعي أخذ جرعات كبيرة من (براستامول) ومخفض للحرارة وأيضاً كمادات.
ولأن البرق يضرب قلب الإنسان، يذهب الدكتور نفسه إلى أن التعامل مع حالات الإصابة بالبرق، يتم من خلال ربط المصاب على جهاز (الميدور) وذلك لمتابعة العلامات الحرجة ومتابعة نبضات قلبه ما إذا كانت قوية من عدمها، وإن كانت قوية على غير العادة يدخل المصاب على جهاز (الديسشوب) الصدمات الكهربائية وذلك لإعادة النبضات إلى مستواها الطبيعي.
كيفية الوقاية من البرق
وينصح الدكتور صلاح بوجوب الاعتماد على مفرغ الصواعق، كون هذا الإجراء باعتقاده من شأنه الوقاية من سطوة البرق وذلك من خلال تركيب الصاعق في هيكل المنزل، وإزاء هذا يتفق المهندس الكهربائي "سعيد عبد" مع الدكتور صلاح كون الصاعق ما هو إلا إكسير حياة بالنسبة للمواطنين وترياق آخر للوقاية من الإصابة بالبرق حين الرعود ووقت الأمطار.
ويكمن عمل كاسر الصواعق بحسب المهندس "سعيد" الذي قال لـ "وكالة يمن للأنباء" "يتبلور في امتصاص الشحنات وإنزالها إلى أسفل البناية ولأن الصاعق يتكون من جهاز في أعلى البناء يتصل بسلك إلى الأرض ويحفر في الأرض مسافة (متر واحد) والتي تحوي صفيحة نحاسية أو عمود نحاسي في الحفرة، أي نهاية الصاع، مع الحرص بوجود مادتي الفحم والملح والماء وذلك لامتصاص شحنات البرق".
ووصف ازدياد أعداد ضحايا البرق إلى عدم اهتمام الناس في تركيب مانع الصواعق والناتج في أغلبه عن غياب الوعي، فيما يجهل الناس الاعتماد على كاسر الصواعق للحيلولة دون تعرضهم للبرق، والسبب يرجع إلى موسمية الأمطار فيما تتعرض المرتفعات للصواعق أكثر من المناطق الأخرى إلا أن هذا ليس معيارًا للإصابة كون البرق إلى جانب استهدافه للقرى الشاهقة والجبلية، يضرب أيضاً المناطق الواقعة على مقربة من خطوط الضغط العالي أو أبراج الاتصالات وخطوط وأجهزة التلفون والتلفزيون والراديو والتي على مقربة من الأشجار والماء وكل المناطق المرتفعة حد قوله لـ "وكالة اليمن للأنباء".
ويستطرد "أصبحت المؤسسات هي من تعتاد على تركيب كاسر الصواعق كمؤسسة الكهرباء والاتصالات وغيرها فيما ثمة تقصير لدى المواطنين في هذا الجانب ولأن المناطق السكنية بحاجة ماساه لتركيب الصواعق للوقاية من البرق سوى كان هذا في الريف اليمني أو المدن".
الأسباب الطبيعية لتكون البرق
تحدث العواصف الرعدية في كل مكان من الأرض وبتكرار حوالي "225" عاصفة رعدية في السنة، ويرجع تسمية العواصف الرعدية بهذا الاسم لأنها مصحوبة بالرعد والأخير دائما ما يحدث مع البرق، ويحدث البرق في الغيوم الركامية الكبيرة وينتج البرق من فصل الشحنات السالبة والموجبة بداخل الغيمة في العواصف الرعدية ويكون ذلك بتدرج الجهد الكهربائي وعندما يصل هذا التدرج إلى قيمة حرجة يحدث اتصال كهربائي بين مناطق الشحنات السالبة والموجبة وينتج عن ذلك البرق.
كما يحدث البرق في الغيمة نفسها، أو بين الغيمة وغيمة أخرى، أو بين الغيمة وسطح الأرض والأكثر شيوعًا هو البرق الذي يحدث في الغيمة أو بين الغيوم، ويكون على شكل نبضات تتكون على مراحل وتبدأ بالصاعقة (البرق بين أسفل الغيمة والأرض) هي شرارة تتحرك سريعًا من مناطق تراكم الشحنات السالبة في أسفل الغيمة باتجاه الأرض، كما يراه علي أحمد غانم.
وفي كتابه "الجغرافيا المناخية" يستطرد غانم "تجذب الشحنات الموجبة التي تتكون على المناطق أو الأشياء المرتفعة على سطح الأرض فيرتفع وميض موجب الشحنة من الأرض إلى الأعلى عندما تقترب الشحنات الجوية السالبة من سطح الأرض، تحدث الصاعقة فيما يُرى البرق من مسافة بعيدة لكن الرعد يسمع فقط على مسافة حوالي 25 كيلومتراً، من مكان حدوثه ويتخذ البرق أشكال: البرق الصفيحي والحراري والمتشعب والشريطي والخرزي الكروي.
ويؤدي البرق إلى قطع أسلاك الكهرباء والاتصالات زيادة الحرائق في الغابات كما يؤدي إلى قتل وإصابة أعداد كبيرة من الناس سنويًا، حيث سجلت إحصائيات قتلى البرق حول العالم 5 آلاف قتيل في 2011م بحسب غانم نفسه في طبعة كتابه الثالثة والصادرة عن دار المسيرة للنشر والتوزيع، لكن هذا العدد ازداد بشكل كبير مع مرور السنوات القليلة الماضية.
البرق سلاح آخر للموت
وتتخلل الصواعق الأمطار في اليمن خاصة في فصل الصيف، لكن هذا لا يعني أن الصيف موسم للمطر بمعزل عن بقية الفصول الأربع، ولأن المناطق الجبلية خاصة المحافظات اليمنية الشمالية تكثر فيها الأمطار صيفًا وتزداد معها الصواعق وضربات البرق إلا أن عملية تبخر مياه البحر في المحافظات الساحلية لها ميقات معلوم مع المطر بخلاف الصيف وسبق وإن ضرب البرق محافظات عدة.
من جانبه يصف "محمد عثمان" وهو ناشط تلك النواهي الممهورة بإرشادات الأب بعدم خروجه إلى الشارع للعب عندما كان صغيرًا بالتزامن مع هطول الأمطار المصحوبة بالرعد، ذلك المنع الذي كان يجهله حينها، لكن ضرب البرق في مقبرة القطيع" بكريتر قبل سنوات كانت مقدمة لفهم الأطفال خطر البرق وهول الصاعقة، وما يحوز في النفس تلك الأخبار التي تتحدث عن موت الناس في الأرياف بسبب البرق ناهيك عن نفوق المواشي وهي تعتبر أشياء ثمينة في القرى حد تعبيره لـ "يمن للأنباء".
وأصبحت ضحايا البرق حاضراً في حديث الصحافة ولم تقتصر أخبار القتل والموت في اليمن على ضحايا الحرب وحوادث المرور وكورونا والسرطان، وعادة ما تعتاد وسائل الإعلام المحلية المختلفة على إيراد أخبار تتحدث عن صواعق رعدية في الريف اليمني والحضر ممهورة بضحايا، حيث سجلت إحصائية لـ"يمن للأنباء" سقوط ’’5‘‘ قتلى بالبرق خلال الشهر الجاري اثنان منهم بمديرية المسيمير وثالث بمديرية المقاطرة واثنان بمديرية المضاربة بمحافظة لحج.
وكان أعنف ضربات البرق تلك التي قتلت ثلاث نساء بعزلة ميفعة عنس شرقي مدينة ذمار وتسببت بإصابة ’’34‘‘ أخرين وجمعهن نسوة عندما كن في مراسيم زفاف كان ذلك ببداية أغسطس من العام الجاري بالتزامن مع صاعقة أخرى من نفس الشهر أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ثلاثة آخرين بمديرية جحاف بمحافظة الضالع ليرتفع العدد إلى ’’6‘‘ قتلى مما يكشف معه أعداد هائلة من الضحايا شهريًا في اليمن ولا إحصائية رسمية بأعداد الضحايا في اليمن وبسبب تقاسم البلاد بين الحوثيين والحكومة اليمنية.
وحيال ما يسببه أصوات البرق خاصة على الأطفال والنساء، يرى المختص في علم النفس والاجتماع "ماهر شير" الأثر النفسية التي تقع على الشريحة المستضعفة من هلع ونشوء كوابيس مزعجة للأطفال في الليل وصوت البرق مشابه لأصوات الانفجارات، ويبقى هذا الهلع ضمن ما تعيشه البيئة المحيطة التي نحن فيها حاليا، مؤكداً في الوقت ذاته لـ "يمن للأنباء" "لا بد من وجود منصات إعلامية عدة للأرصاد وذلك لإعلام الناس وإخبارهم المسبق باحتمالية تعرض مناطقهم للأمطار المصحوبة بالصواعق وذلك لأخذ الحيطة والحذر".