الدورة الشهرية.. حرب منسية تتفاقم

تقارير وحوارات

شروق الرفاعي

 

في ظل مجتمع محافظ، وموروث اجتماعي معقد جعل للمرأة في اليمن ندوبًا كثيرة، ومع اندلاع الحرب في البلاد عام 2015م، بدأت تلك الندوب في التوسع، وتلاشت معها كل الأشياء الجميلة، وتعرضت المرأة اليمنية لصنوف من المعاناة بفقدان ذويها ومسكنها، وتعرضِها للشتات والنزوح، وترافقها حياة بائسة مع انعدام متطلبات الحياة الكريمة.

على مقربة من بوابة عيادات قسم النساء والتوليد بمستشفى الجمهوري بمدينة تعز، تتخذ (ف.ح) مكانًا لها بين طابور طويل من السيدات اللاتي ينتظرنّ دورهنّ لمقابلة الطبيبة المناوبة.

ملامح وجهها الشاحب، وملابسها المهترئة يوحيان بأن وراءهما فصول من المعاناة، وقصص أحزان راكمتها السنين، ودوامة حرب لا تتوقف رحاها.

اقتربت منها أكثر. لم يخب تخميني لمأساتها. سيدة في منتصف العمر. أم لخمسة أطفال. فتاتان وثلاثة أولاد أكبرهم في عمر الـ 15، وهي إحدى النازحات اللائي يواجهنّ ظروفًا إنسانية حرجة داخل إحدى المخيمات الطارئة في محافظة تعز اليمنية.

تقول لـ "هودج": "وضعي ازداد سوءًا بعد إصابتي بالتهابات في المسالك البولية؛ نتيجة استخدامي للأدوات التقليدية غير المعقمة الخاصة بالدورة الشهرية، وضعف الاهتمام بالنظافة الشخصية، بحسب الفحوصات الطبية".

وبصوت مسبوق بتنهيدة عريضة، تواصل: "قطعة قماش ننظفها، ونستخدمها أيام الدورة، هذا لو لقينا حق الصابون"، مشيرة إلى أن ما تجمعه، مقابل عملها في النظافة لدى إحدى الشركات التجارية، لا يتجاوز الـ 1500 ريال يمني في اليوم الواحد؛ أي ما يقارب 2 $ أمريكي، وبالكاد يغطي قوت أولادها الذين تعولهم.

 

 

بدائل غير آمنة

تُواجه النساء في اليمن، وخاصة اللواتي في مخيمات النزوح، أزمة إضافية تتعلّق بنقص المستلزمات الخاصة بالدورة الشهرية، على خلفية الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ ما يجعل كثيرات منهنّ عاجزات عن تأمينها، ويدفعهنّ لاستخدام بدائل غير آمنة؛ كقطع قماش قديمة، أو صحف؛ الأمر الذي يضر بصحتهنّ الإنجابية والجنسية، ويعرّضهنّ لمخاطر الالتهابات، ومشاكل صحية أخرى، بحسب أخصائية الإرشاد النفسي التربوي، عزية الحاشدي.

وتشير الحاشدي إلى أن النساء في اليمن يعانينّ من صعوبة الحصول على الأدوية التي يحتجنّها خلال فترة الحيض؛ من مسكنات الألم، ومضادات الالتهابات، وغيرها؛ ما يؤثر سلبًا على وضعهنّ الصحي.

استشارية النساء والولادة برديس الزغروري تقول لـ "هودج": "استخدام البدائل التقليدية غير المعقمة؛ مثل قطع القماش، أو حفاظات الأطفال، تؤدي إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم، أو سرطان المبيض، أو التهابات المسالك البولية والفطرية، أو الطفح الجلدي، أو التهابات الخميرة المهبلية عند عدم تغيير الفوطة الصحية لفترة طويلة".

وتؤكد الزغروري أن تفاعل المواد الكيماوية في الفوط الصحية المستخدمة لفترة طويلة، أو قطع القماش غير المعقمة، تؤدي إلى ظهور اختلالات عدة؛ كتلف الجهاز المناعي، والعُقم، والخلل الهرموني، والحساسية المهبلية، والأمراض المتعلقة ببطانة الرحم، وخلل الغدة الدرقية.

 

 

معاناة صامتة

ويشير تقرير الاستجابة الإنسانية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في اليمن 2021م إلى أنّ 73% من النازحين في اليمن، هم من شريحة النساء والأطفال، وذلك من أصل 4 ملايين نازح.

مدير وحدة النازحين بمحافظة تعز، حسان الخليدي، أكد بأن "المنظمات الإنسانية لا تغطي هذه الاحتياجات، وتتعامل معها على أنها لا تشكل عبئًا"، مشيرًا إلى وجود 114" مخيمًا وموقع نزوح في المحافظة يحوي قرابة 26 ألفًا من النساء (أطفال - شابات - مسنات)، ولا تقوم منظمة بتوزيع حقائب الكرامة RRN، سوى منظمة ديم، والتي تقوم بتوزيع هذه الحقيبة، مرة واحدة، للنازحات الجُدد فقط، ولفتاة واحدة في كل أسرة، وأحيانًا لا تحتوي هذه الحقيبة على الفوط الصحية".

في المقابل، أوضح مصدر مسؤول في إحدى المنظمات المحلية، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "بعض المنظمات تقوم بتوزيع المواد الإغاثية الطارئة المنقذة للحياة؛ كالغذاء، والمياه، والصحة، لكنّ مستلزمات الدورة الشهرية تُعتبر شيئًا ثانويًا".

وأكد المصدر أنّ لديهم، في المنظمة، صندوق شكاوي لتقييم الاحتياجات، ونزولًا ميدانيًا للمسح، ولتحديد احتياج كل أسرة، وعلى أساسه، توضع في الحقيبة ما تحتاجه كل أسرة.

 

نبذ وتهميش

وتقول الحاشدي إنّ افتقار النساء للرعاية والأدوات الصحية يجعلهنّ عرضة لمخاطر فسيولوجية وسيكولوجية، وتضيف: "انعدام الأدوات الداخلية القطنية، والفوط الصحية، أثناء الدورة الشهرية، تُسبب لهنّ اضطرابات ومشاكل صحية تنعكس سلبًا على نفسيتهنّ، وتؤثر على علاقتهنّ الاجتماعية؛ بسبب الإسقاط النفسي لحالتهنّ المزاجية الصعبة، وربما يتعرضنّ للتنمر والنبذ عند ممارسة النشاطات اليومية، ويتوقفنّ عن الذهاب إلى الدراسة، أو العمل؛ ما يسبب لهنّ الانطواء، والحزن، والاكتئاب".

 

خيارات

من جهتها، أوضحت رئيسة مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات باتحاد نساء اليمن - تعز، صباح راجح، أن "هناك بدائل يتم استخدامها في الإصلاحية المركزية، ومكان النازحات والمعنّفات؛ كاستخدام قطع من ملابس قديمة، أو مهترئة".

وأشارت راجح إلى وجود نساء يمنعهنّ أزواجهنّ من الخروج، وشراء مستلزمات الدورة الشهرية، وخصوصًا أثناء الحجر الصحي خلال تفشي فيروس كورونا المستجد، وأخريات يرى أزواجهنّ أن شراء مستلزمات الدورة الشهرية غير ضروري مقارنة بشراء الحاجات الأساسية الأخرى.

وتؤكد راجح على ضرورة امتلاك النساء الخيارات الممكنة والمناسبة للحفاظ على النظافة الشخصية والصحية، وعدم إجبارهنّ على اعتماد بعض البدائل دون غيرها، مطالبة المنظمات الإنسانية بأن تشتغل على قضايا ودعم النساء المعنّفات، والنازحات، والسجينات عبر مراكز وجهات نسائية خاصة.

 

*تنشر هذه المادة بالتزامن مع منصة هودج