في وقت استبشر فيه اليمنيون في المناطق الخاضعة للميليشيات الحوثية بانفراج أزمة الوقود المفتعلة بعد سماح الحكومة الشرعية بوصول السفن تباعا إلى ميناء الحديدة، أقدمت الميليشيات على فرض زيادة جديدة في الأسعار، حيث حددت سعر الصفيحة سعة 20 لترا من البنزين بـ12600 ريال، بعد أن كانت قبيل افتعال الأزمة بـ9900 ريال (الدولار 550 ريالا في مناطق سيطرة الجماعة).
القرار الحوثي – بحسب مصادر مطلعة – جاء بعد اجتماعات مكثفة لقادة الميليشيات، الذين أوعزوا لشركة النفط الخاضعة لهم بإعلان السعر الجديد الذي قوبل بسخط شديد في أوساط السكان.
في هذا السياق، كشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود تلاعب حوثي في الوقت الحالي يرافقه استحواذ متعمد على أطنان من الوقود الواصل تباعا إلى ميناء الحديدة الخاضعة للميليشيات.
واتهمت المصادر ذاتها قادة بارزين في الميليشيات بالاستحواذ من بدء سريان الهدنة والسماح بدخول سفن المحروقات إلى الميناء على كميات منها وصفت بـ«الضخمة» كانت مخصصة لليمنيين للتخفيف من معاناتهم جراء الأزمة الخانقة.
وذكرت المصادر أن السكان في صنعاء ومدن أخرى لا يستطيعون حتى قبل يومين الحصول على صفيحة بنزين أو ديزل سعة 20 لترا إلا بسعر مرتفع وصل في بعض المحطات العاملة حاليا في العاصمة صنعاء بعد تلقي ملاكها إلى مبلغ 16000 ألف ريال، قبل أن تقر الميليشيات السعر الجديد.
وكشفت المصادر عن مواصلة الجماعة نقل كميات كبيرة من الوقود عبر صهاريج وناقلات من ميناء الحديدة إلى عدة محافظات تحت قبضتها بهدف تعزيز وتغذية عشرات المخازن السرية التابعة لها التي استحدثتها طيلة السنوات الماضية لغرض مواصلة عملياتها العسكرية والمتاجرة بها وبيعها في السوق السوداء بأسعار باهظة.
في غضون ذلك، أفصح مصدر مقرب من دائرة حكم الجماعة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن اجتماع سري عقد مؤخرا بمقر شركة النفط الخاضعة تحت سيطرة الميليشيات بصنعاء وضم قيادات الجماعة بغية تحديد آليات وطرق تمكنهم من التصرف بكميات الوقود الواصلة ميناء الحديدة.
وأوضح المصدر أن الاجتماع خرج بعدة قرارات أهمها البدء الفوري بنقل أطنان من المحروقات من الميناء عقب إفراغها من السفن على متن قاطرات إلى نحو 95 مخزنا حوثيا سريا استحدثتها الجماعة تباعا في العاصمة صنعاء والحديدة وذمار وإب وعمران وصعدة وغيرها.
واتفق قادة الميليشيات – بحسب المصدر – مع القائمين على شركة النفط على أن يتم عقب الانتهاء من إمداد جميع المخازن الحوثية السرية بالوقود، تزويد بعض المحطات في صنعاء وبقية المدن تحت سيطرتهم ويدير أغلبها موالون لهم بكميات من الوقود.
وتسعى الميليشيات من وراء تلك الخطوات إلى تأمين نفسها بكميات من الوقود من أجل مواصلة الحرب من جهة، وكذا استمرار تغذيتها للسوق السوداء التي تجني من ورائها أرباحا ضخمة، وفق ما قاله المصدر.
وبدلا من أن تباشر الميليشيات ضخ كميات الوقود الواصلة ميناء الحديدة على الفور إلى مناطق سيطرتها للتخفيف من معاناة السكان جراء الأزمات المتعددة التي افتعلتها، قال المصدر إن الانقلابيين فضلوا أولا ضخ كميات من المحروقات إلى مخازنهم، قبل أن يتيحوا تدفق الوقود إلى المحطات.
ويقول السكان في صنعاء إن سلوك الجماعة الانقلابية يؤشر على عدم وجود أي نيات حسنة لديها تجاه أي حلول أو مبادرات تصنع السلام وتوقف الحرب وتخفف من معاناة وأوجاع اليمنيين.
ويتهم ناشطون الميليشيات بأنها تحاول استغلال الهدنة الأممية الحالية لإعادة ترتيب صفوفها وتأمين احتياجاتها من المشتقات النفطية من أجل معاودة شن الحرب ضد اليمنيين.
وتأتي تلك الممارسات الانقلابية في ظل تصاعد حدة الاتهامات للميليشيات بافتعالها مرات تلو الأخرى أزمات حادة في مناطق سيطرتها تارة باحتجاز ناقلات الوقود عند مداخل العاصمة وأخرى بإغلاقها محطات وقود لكي تتمكن من بيع تلك المواد للمواطنين بأسعار السوق السوداء.
وكان تجار نفط في مدن سيطرة الجماعة أكدوا في مارس (آذار) الماضي، أن شركة النفط الحوثية وشركة أخرى خاصة تابعة للانقلابيين تحارب تجار النفط من خارج الجماعة متسببة بأزمة خانقة في الوقود.
وقال اتحاد موردي النفط في بيان صادر عنهم إن قيادات شركة النفط وشركة حوثية خاصة تسمى «دروب الاتحاد» تتعمد عرقلة وصول الوقود إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعة.
وأضاف البيان «أن الجماعة تخزن كميات من المشتقات النفطية في منشأتين تابعتين لشركة النفط بالحديدة والصباحة بصنعاء منذ سنوات وترفض بيعها.
وتطرق البيان إلى البعض من الإجراءات التي تتعمد شركة النفط وشركة «دروب» اتخاذها وتتسبب في تفاقم أزمة المشتقات، ومنها منح تراخيص الاستيراد للمقربين من الشركتين، وتعمد عرقلة تراخيص الاستيراد للتجار الذين ليس لهم وساطة.
وأوضح التجار أن شركة النفط الحوثية تشتري الوقود من التجار الذين ليس لهم وساطة بالآجل لمدة سنتين، فيما خفضت أجور النقل من عدن إلى صنعاء من 72 ريالا إلى أقل من 35 ريالا عن اللتر الواحد وخفضت هامش الأرباح من 12 ريالا إلى أقل من 6 ريالات عن اللتر الواحد بالنسبة للتجار غير الموالين لها.