وكأن الانسداد المجتمعي الراهن في العراق ليس كافيا، ليتدخل النائب السابق المسيحي جوزيف صليوا على خط الفوضى عبر تصريحات غريبة زعم فيها أن الفتوحات الإسلامية "غزوات داعشية"، كما اتهم أهالي الموصل، شمالي البلاد، بأنهم "دواعش فكرهم خبيث"، في إشارة إلى تنظيم الدولة وأفراده.
وأثار هذا الموقف الصادر في 10 يوينو/ حزيران 2022 حفيظة الرأي العام وقوى سياسية ودينية في العراق، ليصل الأمر إلى إصدار مذكرة قبض بحق صليوا.
وتأتي هذه المزاعم في ذكرى اجتياح تنظيم الدولة للموصل في 10 يونيو 2014، والتي كانت سببا في سيطرته على ثلث مساحة العراق، واندلاع معارك عنيفة استمرت حتى عام 2017، عندما أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الانتصار على التنظيم بينما لا تزال تنشط عناصره في مناطق مختلفة بالبلاد.
مشعل فتنة وفي تعليق على منشور بـ"فيسبوك"، زعم صليوا، أن "جامع النبي يونس يجب تحويله إلى متحف، ففيه آثار آشورية وكنيس يهودي وكنيسة للمسيحيين ومن ثم جامع".
وأضاف السياسي العراقي أن هذا الموقع مهم لجميع مكونات الشعب العراقي بكل تسمياتهم، وإبقاؤه لمجموعة بعينها دون الآخرين، يعني غزوا باسم دين معين والغزوات ولى زمنها".
وأردف أن "الموصل.. وما أدراك ما الموصل! الدعشنة وفكرهم الخبيث متأصل فيها منذ ظهور داعش الأول أي زمن الغزوات الإسلامية التي يجملونها ويسمونها بالفتوحات! ماذا فتحوا لا أعلم حقيقة، وما زال هذا الفكر الإرهابي الخبيث وسرطان الإنسانية مستمرا، إذا لم يتم القضاء عليه سوف تبقى الموصل المصدرة له للمنطقة برمتها".
ويعد جامع النبي يونس من المساجد التاريخية والأثرية في العراق، ويقع على السفح الغربي من تل التوبة أو تل النبي يونس في مدينة الموصل.
ويعود بناؤه إلى القرن الثامن قبل الميلاد، ويقال إنه المكان الذي دفن فيه النبي يونس بن متى، لذا كان يجذب الحجاج من مختلف أنحاء العالم، حيث يعدون المرور والصلاة بالجامع من المناسك المكملة للحج في الديانة المسيحية.
ووفقا لمصادر تاريخية، يوجد تحت مرقد النبي يونس قصر مطمور كان مكانا لإقامة ملوك آشوريين راحلين وقاعدة للجيوش الآشورية يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد على الأقل.
وفي 24 يوليو/ تموز 2014، قام تنظيم الدولة بتفجير الجامع ضمن حملة تهديم المساجد التي تتضمن أضرحة، وكذلك طرد معظم السكان المسيحيين الذين كانوا يعيشون في محيطه.
وأثارت تصريحات النائب العراقي السابق، ردود فعل غاضبة من قبل مسلمين ومسيحيين على حد سواء، إذ استنكرت رابطة "أئمة وخطباء بغداد" إساءة صليوا للإسلام ولأهل الموصل.
وقالت الرابطة خلال بيان في 12 يونيو 2022، إن إساءة صليوا للإسلام وأهالي مدينة الموصل افتراءات صدرت عن “نكرة” لا يعرف معنى الفتوحات الإسلامية ويجهل حقيقتها.
وأضافت: أن "الفتوحات الإسلامية هي التي أوصلت الإسلام إلى جميع بقاع الدنيا، وأطفأت ظلام الجاهلية، علمت الناس العلم والمعرفة".
وأردفت أن "هوان المسلمين وحكامهم؛ جعل صليوا وأمثاله يتطاولون على الإسلام وأهله، وترتفع أصواتهم دون نكير، داعية جميع المؤسسات والهيئات والروابط الإسلامية إلى أن تقيم دعاوى ضده لأنه أساء إلى ملياري مسلم".
مطارد قضائيا وعلى ضوء ذلك، تراجع صليوا عن مزاعمه في 12 يونيو، نافيا لوكالة "شفق نيوز" العراقية، وجود أي قصد بالإساءة لأهالي مدينة الموصل، في تعليقه المثير للجدل، وذلك بعد صدور أمر قضائي بالقبض عليه بتهمة الإساءة للإسلام وأهالي الموصل.
وقال، ردا على رفع النائبة عن محافظة نينوى بسمة بسيم، دعوى قضائية ضده: "من لم يقدم منجزات لشعبه يجب ألا يكون بطلا برأس جوزيف صليوا"، مضيفا: "أنا لم أقل إن كل سكان الموصل (دواعش) إنما قلت بأن داعش انطلق من الموصل ولا يزال هناك بعض الفكر الداعشي" لدى بعض سكان المدينة".
وأردف: "أما فيما يخص التعايش السلمي فهو كذبة تتاجر بها بعض المنظمات المحلية والدولية للحصول على منح من السفارات"، قبل أن يتساءل: "مع من يكون التعايش إذا لم يعد إلى الموصل سوى 50 أسرة مسيحية فقط؟".
وكانت النائبة بسمة بسيم رفعت دعوى قضائية ضد صليوا، وقالت في 10 يونيو عبر "فيسبوك": "قمنا ومن خلال أحد محامي الموصل بإقامة دعوى قضائية بحق المدعو جوزيف صليوا على خلفية الإساءة الواردة في تعليقه المرفق بحق الإسلام والمسلمين وأهل الموصل خصوصا".
من جانبه، استنكر مسؤول كنائس الموصل للسريان الكاثوليك، في بيان رسمي لمجلس أسر وعوائل الموصل، هذه المزاعم. وطالب، في البيان، المسؤولين والقانونيين والحقوقيين وذوي الشأن بملاحقة النائب قانونيا، لسعيه إلى "إثارة النعرات الطائفية".
كما شجب اتحاد الصحافيين العراقيين في نينوى التصريحات "المسيئة" حسب تعبيره، قائلا إنها "ذات قصد مؤدلج يراد منه تشويه صورة الطيف المتآخي لقوميات نينوى وأديانها ومذاهبها".
كذلك استنكر محافظ نينوى نجم الجبوري، عبر بيان في 10 يونيو، تعليق صليوا، مؤكدا أنه يستهدف إحداث شرخ بين أبناء الموصل ويتناسى ما قدموه من تضحيات في وجه الإرهاب، محذرا من مثل هذه التصريحات لأنها غير مسؤولة ومن انعكاساتها السلبية على الاستقرار وردع الإرهاب.
شيوعي متحجر جوزيف صليوا سبي من مواليد 22 يونيو 1973 في مدينة شقلاوة بإقليم كردستان العراق، حاصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ، كان يقيم في النرويج منذ عام 1998 وعاد إلى العراق نهاية عام 2011.
وعمل مقدما للبرامج في راديو للعمال والشباب بالنرويج وانخرط في منظمات المجتمع المدني هناك، وبعدها عمل في العراق عضوا بهيئة تحرير صحيفة "صوت الشباب" الصادرة عن مركز "جلجامش" في أربيل، كما عمل مندوبا للجمعية العراقية لحقوق الإنسان الأميركية فرع إقليم كردستان.
وفي 2014، رشح عن قائمة "الوركاء" عن مدينة أربيل، وتمكن من الحصول على مقعد نيابي ذهب إلى مرشحها فارس ججو، وبعد اختيار الأخير وزيرا في حكومة حيدر العبادي من العام نفسه، حل صليوا محله كبديل له.
وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، نشر الكاتب العراقي وسام موميكا مقالا في مجلة كاردينيا، قال فيه إن النائب الكلداني الشيوعي السابق جوزيف صليوا استحوذ على مقعد سابق للكوتا المسيحية.
وأردف: "جوزيف صليوا بعد أن تبوأ منصب عضو البرلمان العراقي السابق والفاسد من خلال استحواذه على أحد مقاعد الكوتا المسيحية الخمسة المخصصة (للآراميين المسيحيين) بجميع تسمياتهم الكنسية والطائفية المتعددة".
وخلال تصريحات تعود إلى 13 فبراير/ شباط 2021، قال صليوا إن أصحاب الأرض الأوائل من الكلدان السريان الآشوريين، يعاملون بعنصرية كبيرة في إقليم كردستان العراق وفي الحكومة العراقية الاتحادية.
وأشار صليوا إلى أن المواطن فقد الثقة بالسلطتين الموجودتين في العراق، وأضاف بأنه ينبغي إقرار حكم ذاتي للمسيحيين في منطقة سهل "نينوى"، ليديروا نفسهم بأنفسهم ضمن إطار وطني، ومن خلال الدستور.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، تنامت معدلات هجرة المسيحيين من العراق إلى دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، وسط مخاوف خلو البلاد من سكانها المسيحيين.
ووفق تقرير لمفوضية حقوق الإنسان العراقية (رسمية)، في مارس/ آذار 2021، فإن 250 ألف مسيحي فحسب لا يزالوا يقطنون العراق من أصل 1.5 مليون كانوا موجودين قبل 2003.
وأشار التقرير آنذاك إلى أن "1315 مسيحيا قتلوا في العراق بين عامي 2003-2014، إضافة إلى نزوح 130 ألفا واختطاف 161 آخرين خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة على الموصل بين عامي 2014-2017".