تشهد مدينة عدن اليمنية عودة تدريجية للرياضة النسوية التي كانت تزخر بها قبل الحرب، وبرزت خلالها رياضيات على المستويين المحلي والخارجي.
ونظمت لجنة رياضة المرأة بطولتي الكرة الطائرة وكرة القدم الخماسية خلال الفترة من 1 إلى 5 آذار (مارس) الجاري بين أندية عدن، وشهدتا منافسات قوية بين الفتيات، معلنتين عودة تدريجية للنشاط الرياضي النسوي من جديد.
متابعة شعبية ورسمية
وحفلت البطولة بالكثير من مشاهد الإثارة والتشويق، بخاصة في لعبة كرة القدم التي تُقام للمرة الأولى في عدن، وتوّجت فيها لاعبات نادي التلال الرياضي بكأس البطولة، فيما حصدت فتيات نادي الميناء الرياضي لقب بطولة الكرة الطائرة.
بطولتا الرياضة النسوية حظيتا بمتابعة رسمية وجماهيرية وإعلامية، إذ رعاهما وزير الشباب والرياضة اليمني نايف صالح البكري الذي كان شاهداً على مسك ختام البطولتين، وكرّم الفائزات وصاحبات المراكز الأولى، واعداً بمزيد من الدعم لنشاط رياضة المرأة.
وأكد البكري "أهمية استمرار تنظيم البطولات الخاصة بالرياضية النسوية، والعمل على تطويرها من خلال وضع الخطط والبرامج التي تنمي رياضة المرأة وتعيدها إلى الواجهة من جديد"، مشيراً إلى أن وزارة الشباب والرياضة، ممثلة بقطاع رياضة المرأة، لن تألو جهداً في تقديم الدعم والمساندة وتوفير الأجواء المناسبة للفتيات، بما يساهم في الارتقاء برياضاتهن المختلفة.
سعادة وطموح
"سعيدة جداً بعودة النشاط الرياضي النسوي ومتحمسة جداً لممارسة هوايتي في لعبة الكرة الطائرة، وأتطلع إلى تمثيل بلادي في أي استحقاقات آتية ضمن منتخب اليمن"، بهذه الكلمات استهلت أفراح يحيى، لاعبة نادي التلال للكرة الطائرة حديثها مع "النهار العربي". وأضافت: "سعادتي لا توصف وأنا أشارك للمرة الأولى في بطولة رسمية للأندية في عدن، بعدما كانت ممارستنا الرياضة مقصورة على النشاطات الصفية واللاصفية في مدارسنا الثانوية".
وتابعت: "أتمنى أن أكون وزميلاتي امتداداً لتلك الحقبة الرياضية الجميلة التي كانت فيها عدن على رأس هرم المدن اليمنية في الجانب الرياضي، وأن نتمكن من استعادة البريق المدفون منذ أكثر من 30 عاماً، تحت ستار العادات والتقاليد التي أضحت كالسياج الذي يقيد كل فتاة تهوى الرياضة وتريد المشاركة والاحتراف".
ووجهت رسالة إلى بنات عدن بأن "لا يستسلمن للقيود التي تكبح جماح معظم الفتيات في ممارسة الرياضة، وألا يدعن أحداً يمنعهن من ممارسة هوايتهن في لعب كرة القدم أو الطائرة أو السلة أو أي لعبة، باعتبار ذلك حقاً من حقوقهن في الحياة، إذ إن ممارسة الرياضة ليست جريمة".
محطات مضيئة
وتحتفظ ذاكرة عدن الرياضية النسوية بالكثير من المحطات المضيئة والإشراقات الجميلة والنجاحات البارزة، التي لم تبارح ذاكرة جماهير الرياضة حتى اليوم، وهي المدينة التي سبقت قريناتها محلياً وحتى عربياً، إذ يعود تأسيس أول نادٍ فيها إلى عام 1905، تحت مسمى النادي المحمدي، بعد دمج ناديي "الأحرار" و"الأهلي"، قبل أن تتحول تسميته إلى نادي "التلال الرياضي" بعد عام 1975.
وكان للمرأة حضورها القوي على مستوى الرياضة في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية في تلك الحقبة، استطاعت فيها الفتاة العدنية تحقيق إنجازات وبطولات كثيرة على المستوى المحلي، أهّلتها لتمثيل بلدها خارج الحدود وحصد الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، ومن بين بطلات اليمن بطلة العرب منتصف التسعينات في كرة تنس الطاولة لؤي صبر التي تشغل حالياً منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية اليمنية، وزميلتها عضو اللجنة الأولمبية أيضاً نائلة نصر، التي أطلقت عليها الصحافة الرياضية إبان فترة الثمانينات لقب "سيدة القرن"، بالنظر إلى إنجازاتها الكبيرة كبطلة عربية إلى جانب زميلتها اللاعبة فاطمة محمد ناصر، فضلاً عن مئات اللاعبات في ألعاب الكرة الطائرة، والسلة، وألعاب القوى، والشطرنج، والألعاب القتالية، التايكواندو، والكاراتيه.
وتحتفظ تلك الألعاب بأسماء ذاع صيتها محلياً وعربياً، من بين أصحابها البطلة الفريدة مجيدة عبد المجيد، ووفاء شرف، وهناء شيباني، وجوهرة عبد العزيز، ونادية شيباني، وإيمان شرماني، وانتصار شرماني، وخيرية عبد الواسع، ونادية باشراحيل، وناهد أحمد حمود، وأماني عبد الله قاسم، وخلود علي سعيد، ونهلة قاسم، وانتصار شرماني، ومنال كوكني، وعصمت أحمد سعيد، وحنان عبده أحمد، وغيرهن لا يتسع المجال لذكرهن جميعاً.
وشاركت الرياضيات العدنيات في مسابقات عربية ودولية، ففي عام 1973 على سبيل المثال، شاركت نساء في بطولة القارات الثلاث لكرة الطاولة في جمهورية الصين.
واعتبرت رئيس لجنة رياضة المرأة في عدن نوال وراس، بطولتي الكرة القدم والطائرة في عدن، لبنة أولى في طريق عودة رياضة عدن النسوية إلى التوهج.
عودة ممنهجة
وقالت لـ"النهار العربي": "بدأنا ببطولتين تنشيطيتين ولدينا خطة لاستئناف النشاط الرياضي بطريقة منسقة بين الأندية العدنية، وفي كل الألعاب الرياضية التي كانت المرأة مشاركة فيها سابقاً".
ودعت الجميع إلى الوقوف مع رياضة المرأة ودعمها والعمل على التنسيق الكامل بين الأندية لاستعادة مراكز التدريب الخاصة بالفتيات فيها، والحفاظ على إرث عدن الرياضي.
وطالبت ألطاف أحمد المقطري، لاعبة كرة القدم الخماسية في نادي النصر الرياضي الحائز المركز الثاني، الجهات الحكومية بمزيد من الدعم والمساندة لاستعادة الرياضة النسوية.
وقالت لـ"النهار العربي": "شيء جميل عودة الرياضة إلى عدن، فتيات كثيرات شاركن في البطولتين وهناك مئات الفتيات يتمنين إتاحة الفرصة أمامهن للمشاركة لإظهار مواهبهن الرياضة في عدد من الألعاب الرياضية".
بعد سنين من التوقف والترهيب الفكري الذي مورس على رياضة المرأة في عدن، بدأت اليوم تتنفس الصعداء وتستعد لاستعادة مجدها القديم بوجوه شابه تستطيع مستقبلاً المنافسة عربياً ودولياً.