العلاقات المستنزفة.. كيف نحمي أنفسنا من الأذى؟

صحة
قبل 6 أشهر I الأخبار I صحة

أسئلة كثيرة أحيانا قد لا نجد لها إجابات خلال تعاملنا اليومي مع شخصيات تختلف عنا في الفكر والأسلوب وحتى في رؤيتنا للأمور، فيكون ذلك سببا في حدوث خلاف عابر أو تعارض في وجهات النظر نتيجة لتحليلات عميقة وردات فعل غير متوقعة. الاستنزاف في العلاقات يترجم في طريقة كل شخص بقراءة الموقف الحاصل، وهنا تكثر علامات الاستفهام ويبدأ الشخص بالغوص أكثر بزوايا الموضوع. 

هذه العلاقات بالذات تبنى على الخوف وعدم الأمان والإرهاق الروحي والنفسي، وخاصة أن أحد الأطراف يظل طوال الوقت يحسب حساب كل كلمة وكل حركة تصدر منه قد تكون أحيانا عفوية، لكنها في نظر البعض تحمل معاني ودلالات أخرى خفية، وهذا ما يجعلها مؤذية لأصحابها تصيبهم بالقلق من كل شيء يقال. 

لم تكن تعلم أسماء (35 عاما)، أن عليها أن تقدم شرحا مفصلا لكل ما تقوله أو تتصرفه، وذلك بعد اتهامات وجهتها لها إحدى صديقاتها التي أخذت كلامها إلى منحى آخر بعيد تماما عما قصدته. تقول "صعب جدا أن تحاكم على أمور لم تقصدها ولم تفكر بها أصلا، وكم هو مرهق أن يسيء فهمك حتى أقرب الناس لك"، مبينة أن تجربتها مع صديقتها علمتها أن تكون حذرة مع الجميع حتى المقربين منها، فهي لم تعد تتكلم إلا بما هو ضروري فقط لتحمي نفسها ولتكون بعيدة عن الظنون التي قد تفقدها يقينها بنفسها وأيضا تضعها في مرمى الشكوك والاتهامات بسبب رؤية البعض المحدودة وتخيلهم لأمور ليس لها أساس. 

ولا تختلف عنها أمل سامي التي قررت أن تخفف من احتكاكها بالبعض، وتحديدا أولئك الذين ينظرون لأي مشكلة أو موقف بنظرة ضيقة ويحملون الكلام دلالات أخرى لا تمت للحقيقة بصلة.

وتشير إلى أنها بدأت تقلص من علاقاتها، وخاصة في محيط العمل، فليس لديها طاقة لتخضع لتحليلاتهم وردود أفعالهم، إضافة إلى أن  البعض قد يشكك في نيتك دون سبب وقد يصل بهم الأذى لأن يشعروا الآخر بالذنب على أشياء هي حقه.

أمل رأت أن اعتزال الناس ليس الحل، فهي لا يمكن أن تعيش وحيدة، لكنها تستطيع أن تنتقي الأشخاص المناسبين الذين يفهمونها دون شرح أو تبرير ويعرفون قصدها حتى قبل أن تتكلم. 

ويجد إياد (45 عاما)، أن العلاقات المستنزفة تتسبب في بناء الحواجز بين أطرافها، وذلك عندما يصبح الحذر واجبا بسبب كثرة الظنون والاتهامات، فيتحول الشخص هنا إلى مدافع عن نفسه مهمته تقديم المبررات لكل صغيرة وكبيرة وكأنه مدان طوال الوقت، وهذا أمر متعب جدا يرهق النفسية ويفقد الشخص حقه في أن يكون على طبيعته. وبحسب رأيه، فالجميع بحاجة لعلاقات مريحة وطيبة تمنحه الحب والأمان وتتقبله كما هو مع مساعدته على التغيير للأفضل. 

ومن جهتها، تبين الاختصاصية النفسية لين أبو خضر، أن العلاقات بمختلف أنواعها تكون مستنزفة لأصحابها عندما يتبادلون المشاعر السلبية والقلق، إضافة إلى جعلهم حذرين طوال الوقت منتبهين لكل ما يقولونه ومتى يقولونه وكيف يقولونه. كما تسبب العلاقات المستنزفة عدم الشعور بالراحة نتيجة الخوف من أي كلمة أو تصرف قد يتم تفسيرها على غير حقيقتها بعيدا عن المعنى المقصود، بل وأكثر من ذلك قد يصل الأمر إلى الشك واختلاق رؤية جديدة للموقف الحاصل.

وتلفت إلى ضرورة أن يراجع كل شخص نفسه ويكتشف ما إذا كان هو الشخص المخطئ والمؤذي في العلاقة أو أنه شخص حقيقي واضح في مشاعره، يعرف ما له وما عليه يحترم حدود الآخر ويتعامل معه على هذا الأساس، كل  ذلك يساعده على حماية نفسه من الأذى والاستنزاف ويجعله أقدر على تقييم العلاقة وفهمها.

فالاستنزاف، وفق أبو خضر، يبدأ عندما يمنع الشخص من التعبير عن شعوره وعندما يفقد الراحة والأمان ويصبح حذرا جدا في كلامه وتصرفاته وأيضا عندما لا يجد التعاطف والتقدير من الآخر تجاه مشاعره.

وترى أبو خضر، أن الحل ليس التخلص من العلاقات المستنزفة، لأن ذلك مستحيل، فنحن لا يمكننا العيش وحدنا إذا فكرنا بالابتعاد عن كل ما يؤذينا واعتزلنا الناس، مؤكدة أن الحل يكون بوضع الحدود للأشخاص في حياتنا، فمهم جدا أن يعرف كل شخص حدوده ويعرف إلى أي مدى يمكن أن يشارك الآخرين في مواضيع وأفكار وبعض التفاصيل، كما من المهم تحديد مواقع الأشخاص بالنسبة لنا، ومعرفة ما لنا من حقوق، فوعينا بأفكارنا ومشاعرنا هو الطريقة لحمايتنا نفسيا من الاستنزاف. 

وتقول خبيرة علم الاجتماع فادية إبراهيم، إن العلاقات المستنزفة تسبب تعباً نفسياً وعاطفياً نتيجة للصراعات المتكررة ونقص التفاهم، وللتحدث بفعالية ينبغي التأكد من فهم الشخص الذي يجلس أمامنا وتجنب استخدام المصطلحات المعقدة واللغة الغامضة، والاستماع جيدا بانتباه لما يقوله الشخص الآخر. 

كل ذلك، يعزز التفاهم المتبادل، وخصوصا مع استخدام لغة الجسد والعبارات الإيحائية، مثل الرأفة والتعاطف للمساعدة على تسهيل الحوار. وطرح الأسئلة المفتوحة لأنه يشجع على التفكير وتوضيح الأمور بشكل أفضل، كذلك الاستماع للتعليقات والاقتراحات.

ووفق ابراهيم، يجب أن نتجنب التحيز وألا نحكم على الشخص بناءً على معلومات مسبقة أو افتراضات وأن نحاول فهم وجهة نظره بشكل عادل. ويجب أن نتحدث برفق لأنه قد تكون المواضيع حساسة، لذا نحاول التحدث بلطف ورفق، ومن المهم أن نكون واضحين في التعبير عن أنفسنا عند الحاجة، لأن ذلك يسهم في تحسين فهم الشخص الآخر لنا ويقلل من الارتباك أو الاستبعاد في التواصل. 

ومن المهم ألا ننسى قيمة الحدود، فمن الضروري أن نكون واثقين من حقوقنا وحدودنا الشخصية. وعلينا ألا ندع الآخرين يتجاوزون ذلك، ونتواصل بوضوح إذا كنا نشعر بأن الأسئلة أو التعليقات تتجاوز الخطوط الحمراء، فلا نتردد في التعبير عن ذلك بلباقة.

الى ذلك، التفكير في نوايا الآخرين، فقد يكون هناك تفسيرات أخرى لتصرفات الأشخاص وناتجة عن انفعالاتهم أو تفهم خاطئ، وإذا كنا نشعر بأننا بحاجة إلى مساعدة أو دعم، فلا نتردد في طلب المشورة من الأصدقاء الموثوقين أو المحترفين المختصين.

الغد الاردنية