برز اليمن ضمن أكثر البلدان المتأثرة بالتغيرات المناخية مع تنامي الظواهر الجوية المتطرفة في مختلف دول العالم مما فاقم انعدام الأمن الغذائي في البلاد.
وزادت حدة التغيرات المناخية في اليمن، مخلفة تقلبات قاسية، وارتفاع كبير في درجة الحرارة، وتساقط الأمطار الغزيرة على بعض المناطق وحدوث الفيضانات، بالإضافة إلى الأعاصير والكوارث الطبيعية الأخرى.
وتشهد عدة محافظات يمنية فيضانات متواصلة منذ أسابيع، أدت لمقتل أكثر من 100 شخص وإصابة 600 آخرين وأثرت أيضا على نحو 695 ألف أسرة بشكل مباشر، بعد تدمير منازلها وفقدان مصادر رزقها.
في المقابل، هناك محافظات أخرى تشهد موجة جفاف قاسية وانعدام مصادر المياه في وجه مأساوي للكلفة الباهظة التي تحدثها التغيرات المناخية في هذا البلد.
تبعات كارثية
ووفقا لخبراء في المناخ فتأثيرات الظروف الجوية في البلاد تدل على أن التغير المناخي، سوف يؤثر على كل القطاعات البيئية والزراعية والسمكية، منها ارتفاع درجة الحرارة وتغير أنماط الأمطار وكمياتها في السنوات الأخيرة وزيادة الكوارث الطبيعية كالفيضانات والجفاف وانحسار المناطق الساحلية بسبب ارتفاع مناسيب المياه.
الفيضانات الأخيرة في تهامة اليمنية - أرشيفية
كما ستؤدي هذه التغيرات المناخية إلى تسرب مياه البحر إلى مكامن المياه الجوفية العذبة بالمناطق الساحلية مما سيرفع درجة ملوحة المياة والتربة، وفقا للخبراء.
ويقول الخبير اليمني في التغيرات المناخية منير قائد لـ"العين الإخبارية"، إن ما تشهده البلاد من تطرف جوي يكشف الحاجة الملحة لعمل دراسات متخصصة في الحلول الممكنة لمواجهة التبعات التي طالت البلاد، والتخطيط لكيفية التكيف معها.
وأشار قائد، إلى أن الدراسات لابد أن تكون قبل وقوع الكوارث التي خلفها تطرف المناخ، بحيث تخلق نوعا من المواجهة والتخفيف من وقوع الضحايا المدنيين والخسائر في صفوف المزارعين، وكذلك الأراضي الزراعية.
وأكد أن التغيرات المناخية تفرض ضرورة "مراقبة حركة المياه، والرياح، وأماكن تشكّل الأعاصير، والمنخفضات الجوية، وتوفير مراكز الإنذار المبكر، ليكون هناك تحرك مسبق وإجراءات ملموسة قبل وقوع الكارثة".
النشاط البشري
تعد التغيرات المناخية ظاهرة طبيعية تحدث على مدى عشرات السنين، منذ العصور الجليدية إذ كان على مدى فترات زمنية طويلة، يحدث التغير المناخي إثر حركة الأرض وأقطابها.
الفيضانات الأخيرة في تهامة اليمنية - أرشيفية
ووفقا للاستشاري الدولي في التغير المناخي والخبير اليمني الدكتور عبدالقادر الخراز، فأنه "مع زيادة عدد السكان في الأرض، والأنشطة الصناعية غير الصديقة للبيئة، أدت إلى تغيرات شديدة وسريعة في مناخ الأرض، إذ إن التغير الذي كان يفترض أن يحدث خلال قرن، أصبح يحدث خلال عقد أو أو عقدين أو أقل".
وقال الخراز لـ"العين الإخبارية" إن هذا "ناتج عن ارتفاع معدلات التلوث الذي تسبب بظاهرة الاحتباس الحراري من غازات دفيئة، كما أدى إلى ظواهر مختلفة والتي انعكست على الأرض، والتأثير على طبقة الأوزون".
وعلى الرغم أن اليمن ليست مؤثرة في تغيرات المناخ، لكنها وبحسب الخبير اليمني، فهي الأكثر تأثرا بتغيرات المناخ الحاد والسريع، وقد ظهر فيها كل ظواهر التغير المناخي في السنوات الأخيرة.
وأبرز تلك الظواهر، الارتفاع الكبير في درجات الحرارة خاصة في المناطق الساحلية والصحراوية، وارتفاع في مستويات سطح البحر، وتغير في مواسم الزراعة والجفاف في بعض المناطق فيما فيضانات بمناطق أخرى.
ووفقاً للخراز فالمزارع اليمني أكثر المتضررين، نتيجة للخسائر التي تعرض لها في محاصيله".
وأكد أن "هناك عجز في تدخل الدولة، حيث لابد من تحرك الدولة وإيجاد الحلول لمساعدة هؤلاء المزارعين الذين تعرضوا للخسائر بسبب تطرف المناخ، والذي يؤثر على الاقتصاد الوطني، ويفاقم من إنعدام الأمن الغذائي".
الفيضانات الأخيرة في تهامة اليمنية - أرشيفية
وتتعرض اليمن للعديد من تبعات التغير المناخي، إلى جانب الأعاصير التي ضربت مناطق عديدة فيها مثل أرخبيل سقطرى، والمهرة، وحضرموت، خلال فترة زمنية قصيرة، والمنخفضات الجوية التي تشهدها تلك المناطق ويصل تأثيرها إلى مختلف المحافظات اليمنية.
انعدام الأولوية
على مدى سنوات، وفي ظل العجز الذي تشهده البلاد إثر الحرب الحوثية، وانعدام الأولوية المناخية لدى هرم السلطة، وعدم كفاءة الجهات المعنية في هذا الملف بما في ذلك الجهات المانحة أو المنظمات الفاعلة، لا يزال اليمن معرضا لظواهر متطرفة تؤرق حياة المواطن، بحسب كلام الخراز.
وبحسب الاستشاري الدولي فتلك الظواهر تحدث طوال العام، إذ نجد أنه في أشهر معينة تضرب البلاد أعاصير آخرها إعصار "تيج" الذي ضرب المهرة أواخر العام الماضي، واستمرار الفيضانات في المناطق الساحلية والصحراوية هذه الأيام.
وأكد أن المخاطر تزداد إذ إنه كلما كان هناك عدم استعداد وقدرة على التكيف والتأقلم، وعجز للجهات المعنية الرسمية والمنظمات الدولية، تكون الخسائر في الأرواح والبنية التحتية وممتلكات ومزارع المواطنين أكثز فداحة.
ويشير إلى أن هناك الكثير من التمويلات الخاصة بالتكيف والاستعداد للتغيرات المناخية على المستوى الدولي، ولم يصل هذا التمويل لليمن إلا بشكل قليل جدا، ولم يستخدم بالطريقة الصحيحة - وقد انعكس على عدم القدرة على مواجهة تبعات تلك التغيرات.
منخفض الهند الموسمي
وأثرت التغيرات المناخية على حياة الناس والتنوع الحيوي والبيولوجي للبيئة اليمنية، كما حدث مؤخراً في تعز والحديدة وحجة ومأرب وغيرها من المناطق اليمنية التي تضربها الفيضانات.
وبحسب مدير التنبؤات الجوية، بمركز الأرصاد الجوية في عدن، المهندس علي باتيسير، فالأمطار الغزيرة التي هطلت على المرتفعات الغربية، تعد أمطارا موسمية نتيجة لمنخفض الهند الموسمي.
وأشار باتيسير لـ"العين الإخبارية" أن تحرك الفاصل المداري ITCZ شمالا سمح بتقدم التيار النفاث الشرقي تبعا بمنخفض الهند الموسمي؛ مما أدى إلى هطول الأمطار الرعدية الغزيرة في المرتفعات المقابلة للسهول الساحلية، امتدت غربا إلى أجزاء من الحديدة وحجة وأحدث أضرارا في الأرواح والممتلكات الخاصة والعامة.
من جهته، قال المسؤول في الوحدة التنفيذية للنازحين، عبده المساوى، إن حصر الأضرار لا يزال مستمرًا وسط ارتفاع تكلفة الأضرار، ووصف ما حدث من فيضانات مؤخرا بأنها “كارثة إنسانية”، بفعل بشري حيث أضحى الآلاف "يفترشون العراء ويلتحفون السماء"، على حد تعبيره.
وقال لـ"العين الإخبارية" إن "الفيضانات والسيول لم يكن تأثيرها آنيًا فقط، بل طالت كل مناحي الحياة"، محذرا من انتشار الأوبئة والأمراض إثر ركود المياه داخل حفر عميقة جوار مخيمات النزوح ومناطق سكنية.
وحث المسؤول الحكومي السلطات المعنية والمنظمات الإنسانية والإغاثية إلى إغاثة المتضررين بالغذاء والمواد الإيوائية وتوجيه الدعم نحو حلول حقيقية لمواجهة تبعات التغير المناخي لتخفيف تأثيراته إنسانيا وماديا.
وتعد اليمن الأشد تضررا من بين دول العالم، رغم كونها الأقل تسبباً في انبعاثات الوقود الأحفوري من المصانع والمنشآت ومحطات توليد الكهرباء ووسائل النقل وغيرها من ملوثات الدول الصناعية، وفقا للخبراء.
المصدر : العين الإخبارية