لماذا تخفي جماعة الحوثي عدد قتلاها في المعارك؟

محليات
قبل 5 ساعات I الأخبار I محليات

في الثامن من يناير/ كانون الثاني الحالي، أعلنت صفحة "مكتب إعلام بعدان" على منصة فيسبوك، التابعة لمديرية بعدان في محافظة إب وسط اليمن، تشييع أحد المقاتلين التابعين لجماعة الحوثيين، الذي قتل في "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، واسمه عدي عبد الباري عبده صالح المبارزي، في مسقط رأسه بقرية رهوان بمديرية بعدان. لكن اسمه لم يرد ضمن قائمة قتلى الجماعة التي تعلن تشييعهم عبر وكالة الأنباء اليمنية سبأ بنسختها التي يديرها الحوثيون، ما يطرح تساؤلات عن إخفاء خسائر الحوثيين خلال المواجهات المتعددة التي تخوضها.

وأعلنت الجماعة تشييع 44 عنصراً من مقاتليها خلال الفترة ما بين 1 و18 يناير الحالي، على الرغم من توقف القتال منذ هدنة إبريل/ نيسان 2022، التي جرى التوصل إليها بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً، وأعلنتها الأمم المتحدة. وكان لافتاً أن من بين القتلى الذين أعلنت الجماعة مصرعهم خلال تلك الفترة، 41 عنصراً يحملون رتباً عسكرية (ضباط) موزعون كالآتي: اثنان يحملان رتبة عميد، ثلاثة يحملون رتبة عقيد، اثنان يحملان رتبة مقدم، اثنان يحملان رتبة رائد، سبعة يحملون رتبة نقيب، عشرة يحملون رتبة ملازم أول، تسعة يحملون رتبة ملازم ثانٍ، واحد يحمل رتبة مساعد أول، خمسة يحملون رتبة مساعد، بالإضافة إلى ثلاثة "مجاهدين".

ووُصف عشرون منهم بأنهم سقطوا في معركتي "الفتح الموعود والجهاد المقدس" و"النفس الطويل"، في إشارة إلى الغارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية، وكذا جبهة مأرب (بمواجهة قوات الحكومة)، وثلاثة في "معركة النفس الطويل"، وهو الاسم الذي يطلق على جبهة مأرب. كذلك قتل 15 عنصراً في ما تقول الجماعة إنها "جبهات العزة والكرامة"، وأربعة قُتلوا في معركة "الدفاع عن الوطن"، في إشارة إلى المعارك مع القوات الحكومية، بينما وصف أحد القتلى بـ"شهيد القوات المسلحة"، ووصف آخر بأنه توفي في "دورات التعبئة". والأغلبية العظمى من القتلى شُيِّعوا في صنعاء، وهم 39 عنصراً، إلى جانب عنصرين في تعز، وعنصر في كل من الحُديدة وعمران والبيضاء.

تدعو هذه المعطيات للتساؤل عن العدد الحقيقي في ما يخص خسائر الحوثيين في ظل عدم إعلان الجماعة عن القتلى من الجنود، أو المسلحين التابعين لما يُسمى باللجان الشعبية، بالإضافة إلى القتلى من أبناء المحافظات الواقعة خارج صنعاء، التي تتركز فيها فعاليات التشييع. يقول بكر عبد العزيز ناصر، وهو من أبناء تعز، لـ"العربي الجديد"، إن شقيقه كان من "المغرر بهم الذين التحقوا بجماعة الحوثيين للقتال في صفوفها، ولقي حتفه في تعز". ويوضح أنه "لم يُعلَن مقتله في وسائل إعلام الجماعة، بل سُلِّم جثمانه بعد أسابيع من مصرعه دون السماح لأهله بإلقاء النظرة الأخيرة عليه، إذ دُفن حتى دون التأكد من هوية جثمانه".

وعن خسائر الحوثيين وإعلانهم عدد القتلى في المعارك، يرى المحلل السياسي راشد محمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لدى مليشيات الحوثي نهجاً خاصاً قائماً على الاحتفاء بالموت، والمقابر، وطقوس التشييع، وهو جزء من استراتيجيتها في الترويج لفكرة الموت باعتبارها من وجهة نظرها استراتيجية محفزة لإقبال الشباب على الانخراط في صفوفها ومعاركها". ولهذا، وفق محمد، "تبالغ المليشيات الحوثية في مراسم تشييع قتلاها، وتحرص على نقلها عبر التلفزيون، وتبالغ في تزيين المقابر". وبرأيه فإنها "تحاول أن ترسم في الذهنية العامة صورة الموت باعتباره بطولة، والتشييع باعتباره نوعاً من التكريم". وفي ما يتعلق بنشر وكالة سبأ بنسختها التي تديرها الجماعة أخبار تشييع الضباط الذين يحملون رتباً عسكرية دوناً عن بقية القتلى من صفوفها، يعتبر أن هذه الخطوة تأتي في سياق "إبراز الجماعة نفسها دولةً، لديها جيش ومؤسسات، بينما في الحقيقة هي قد ملشنت كل شيء، بمن في ذلك من التحق بها من منتسبي المؤسسة العسكرية".

من جهته، يقول المحلل العسكري المقدم أحمد المليكي، لـ"العربي الجديد"، إن الجماعة "تسعى للحفاظ على معنويات مقاتليها وجمهورها من خلال عدم الكشف عن العدد الحقيقي لقتلاها". وعن الأهداف الأخرى لإخفاء خسائر الحوثيين البشرية، يشير إلى تضليل "الخصم من أجل عدم معرفة النتائج التي حققها، سواء في الاشتباك مع المجاميع الحوثية بالنسبة إلى الجيش الوطني، أو بالنسبة إلى الغارات التي يشنها الطيران الأميركي أو البريطاني أو الإسرائيلي على مواقع الحوثيين، وتحديداً المواقع العسكرية، سواء كانت معسكرات أو مخازن أسلحة أو قواعد إطلاق صواريخ". ويضيف أن هذه "الاستراتيجية في التعامل مع الخسائر البشرية تأتي في سياق الحرب النفسية، إذ تسعى الجماعة من خلال التكتم على خسائرها للمحافظة على الصورة النمطية للمقاتل الحوثي الذي يُصوَّر في وسائل الإعلام الحوثية بأنه المقاتل الذي يواجه الداخل والخارج".

لكن بالمقابل، يوضح المليكي أن "هناك قيادات داخل الجماعة لا يمكن تجاهل مقتلها من قبل قيادات المليشيا، وبالتالي لا يُعلَن مكان مصرعها وزمانه، بل تشييعها، وتقديم صورة احتفائية في مراسيم التشييع تحاول المليشيا من خلالها تصوير حالة الإجلال والتقدير الذي تكنّه لقتلاها". وتُستخدَم هذه الاستراتيجية في الغالب، وفق المليكي "مع القيادات العسكرية صاحبة الرتب العسكرية العليا، وكذا المنتمية إلى الأسر الهاشمية". وبرأيه فإن "قتلى الجماعة أكبر بكثير مما هو معلن، ويمكن استقراء ذلك من معرفة عدد من يُعلَن مقتلهم من الضباط أصحاب الرتب العسكرية وتقدير عدد الجنود وفقاً لذلك"، موضحاً أنّ "من الطبيعي أن يكون عدد الجنود أضعاف عدد الضباط". يضاف إلى ذلك "تقدير القتلى في المواقع العسكرية التي تُستهدَف بالغارات الجوية، باعتبارها أهدافاً ثابتة، مثل المعسكرات وبعض مخازن الأسلحة التي تقتضي وجود عدد كبير من الأفراد".