تصاعد اعتقالات الحوثيين لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وسط غياب موقف أممي واضح

محليات
قبل 11 ساعة I الأخبار I محليات

في وقتٍ تتزايد فيه المطالبات الدولية بحماية العمل الإنساني في اليمن، تتواصل حملات الاعتقال والملاحقة التي تنفذها ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران ضد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في مناطق سيطرتها، ما يثير قلقًا واسعًا حيال سلامة العاملين في المجال الإنساني، ويطرح تساؤلات جدّية حول مدى قدرة المجتمع الدولي على حماية موظفيه ومنشآته في البلاد التي تشهد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وقالت مصادر محلية وإعلامية متطابقة إن الميليشيا الحوثية اعتقلت خلال الأيام الماضية موظفًا يمنيًا يعمل في إحدى الوكالات الأممية أثناء مروره في حاجز تفتيش أمني تابع لها بمديرية باجل في محافظة الحديدة، مشيرة إلى أن عملية الاعتقال تمت بطريقة مفاجئة ودون أي مسوغ قانوني، ليرتفع بذلك عدد موظفي الأمم المتحدة الذين تم احتجازهم مؤخرًا إلى 11 موظفًا، في حين تجاوز عدد المعتقلين من العاملين الأمميين في مناطق الحوثيين 55 موظفًا منذ اندلاع الحرب قبل نحو عشر سنوات.

وأوضح الصحفي فارس الحميري، نقلاً عن مصدر يمني مطلع، أن الموظف الأممي كان في طريقه من العاصمة صنعاء إلى مدينة الحديدة على متن حافلة نقل ركاب، عندما أوقفه عناصر من جماعة الحوثي في نقطة تفتيش مشددة، حيث جرى إنزال الركاب واقتيادهم إلى مقر أمني في مديرية باجل، قبل أن يتم فصل الموظف الأممي عن بقية الركاب ونقله إلى جهة غير معلومة.

وأكدت المصادر أن المعتقل يعمل ضمن إحدى الوكالات التابعة للأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني، وأن عملية احتجازه تأتي ضمن حملة واسعة تستهدف موظفي المنظمات الدولية بذريعة “التجسس” و”العمالة”، وهي التهم التي دأبت الميليشيا على توجيهها لتبرير عمليات الاختطاف والاحتجاز التي تنفذها منذ سنوات بحق العاملين في المجال الإنساني والإغاثي.

وتأتي هذه الحادثة في ظل تصاعد الانتهاكات الحوثية بحق المنظمات الإنسانية والموظفين الأمميين، الذين يواجهون تضييقًا متزايدًا في تحركاتهم وأنشطتهم داخل مناطق سيطرة الجماعة، من خلال فرض قيود على السفر، ومراقبة الاتصالات، والتدخل المباشر في سياسات توزيع المساعدات، فضلاً عن مصادرة بعض مقرات المنظمات ومعدات عملها.

وفي تطور مأساوي يعكس حجم الضغوط النفسية التي يتعرض لها العاملون الإنسانيون في مناطق الحوثيين، توفي الموظف اليمني عبدالله شمسان الأكحلي، الذي يعمل في قسم تقنية المعلومات لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) في صنعاء، إثر ذبحة صدرية مفاجئة.

ونقل الصحفي فارس الحميري أن الأكحلي عاش خلال الأيام الأخيرة حالة من الخوف والتوتر الشديدين بعد أن شملت حملات المداهمة الأخيرة عدداً من زملائه في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ما جعله يخشى أن يكون هو الآخر ضمن قوائم المستهدفين بالاختطاف. 

وأوضح الحميري أن وفاته جاءت عقب “أيام من التوتر النفسي الحاد” الذي سببه الترهيب والضغوط المستمرة التي تمارسها الميليشيا على العاملين الأمميين في العاصمة صنعاء، مؤكداً أن الحادثة تكشف عن البيئة القاسية التي يعمل فيها الموظفون الإنسانيون تحت سلطة الحوثيين.

وتشير تقارير حقوقية إلى أن الانتهاكات الحوثية ضد العاملين في المجال الإنساني لم تعد حالات فردية، بل أصبحت نهجًا منظمًا يستهدف إخضاع المنظمات الدولية لسيطرة الجماعة، سواء عبر الترهيب أو التهديد أو الاعتقال. وتشمل هذه الانتهاكات وفقاً لمصادر محلية اقتحام مقرات المنظمات، ومصادرة الأجهزة والممتلكات، واحتجاز سيارات تحمل شعارات الأمم المتحدة، بالإضافة إلى شن حملات إعلامية ممنهجة لتشويه سمعة المنظمات وتشكيك الرأي العام في نزاهة عملها.

ويرى مراقبون أن الهدف من هذه الممارسات هو فرض قيود سياسية وأمنية على عمل الوكالات الأممية، وإجبارها على التنسيق الكامل مع سلطات الحوثيين في صنعاء، بما يسمح للجماعة بالتحكم في مسار المساعدات الإنسانية وتوجيهها لخدمة أجنداتها السياسية والعسكرية. ويؤكد هؤلاء أن الجماعة تستخدم المساعدات أداة ضغط وابتزاز، سواء على المواطنين في مناطق سيطرتها أو على الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية.

من جانبهم، عبّر عدد من النشطاء الحقوقيين عن استغرابهم من صمت الأمم المتحدة إزاء استمرار احتجاز موظفيها واختطافهم من قبل الحوثيين، معتبرين أن هذا الموقف “غير المفهوم” يشجع الجماعة على التمادي في انتهاكاتها، ويقوّض الثقة في قدرة المنظمة الدولية على حماية موظفيها والعاملين معها.

ويؤكد ناشطون أن غياب موقف حازم من الأمم المتحدة يبعث برسالة خاطئة، مفادها أن الاعتداء على العاملين الإنسانيين يمكن أن يمرّ دون عقاب، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع معنويات العاملين المحليين الذين يشكلون العمود الفقري للجهود الإنسانية في اليمن، ويدفع كثيرين منهم إلى ترك العمل خوفاً على حياتهم.

وتحذر تقارير أممية ودولية من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى شلل شبه كامل في العمليات الإنسانية داخل مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما سينعكس سلباً على ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على المساعدات الأممية كمصدر رئيسي للغذاء والدخل والخدمات الأساسية. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 17 مليون يمني يعيشون في ظروف انعدام أمن غذائي، وأن أي تعطيل للعمليات الإنسانية سيضاعف حجم الكارثة.

ويرى محللون أن تصاعد الاعتقالات ضد موظفي الأمم المتحدة يأتي في إطار سياسة ممنهجة للضغط على المجتمع الدولي، خصوصاً في ظل ازدياد عزلة الجماعة على المستويين الإقليمي والدولي، وتنامي المخاوف من الرقابة على أنشطتها غير المشروعة، بما في ذلك تهريب السلاح، وغسل الأموال، واستغلال المساعدات الإنسانية لأغراض سياسية وعسكرية.

ويعتقد خبراء أن ما يجري يمثل رسالة تحدٍ واضحة للمجتمع الدولي، إذ تحاول الجماعة الحوثية من خلال هذه التصرفات إثبات قدرتها على التحكم الكامل في مناطق سيطرتها، وفرض شروطها على المنظمات الأممية، رغم كونها طرفاً في نزاع يخضع لقرارات مجلس الأمن الدولي.

وفي ختام التقرير، دعت منظمات حقوقية محلية ودولية الأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف علني وواضح إزاء الانتهاكات المتصاعدة التي يتعرض لها موظفوها، والعمل على التحرك الدبلوماسي الفوري لضمان إطلاق سراح جميع المعتقلين وتأمين بيئة عمل آمنة للكوادر الإنسانية. كما طالبت الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي بممارسة ضغوط جدية على الحوثيين لوقف هذه الممارسات التي تهدد مستقبل العمل الإنساني في البلاد، وتعرض حياة مئات العاملين في هذا المجال للخطر.

وأكدت تلك المنظمات أن استمرار الصمت الدولي يشكل تواطؤًا ضمنيًا مع المعتدين، داعية إلى تفعيل آليات المساءلة الدولية لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، وحماية مبادئ الحياد والاستقلال التي تقوم عليها المنظمات الأممية والإنسانية.