محمد علي محسن
محمد علي محسن

رومانسية متأخرة .. 

في إحدى النقاشات العائلية قيل لي  : لماذا لا تكتب للنَّاس شعرًا وقصصًا ؟ ففي هذا النوع من الكتابة ما يرح البال ، ويصرف الذهن عن السياسة وبلاويها . 

أخذت بهذه النصيحة ، وكانت أولى المحاولات مرضية نسبيًا ، إذ نالت استحسان عديد من اصدقائي في منصات التواصل ، بمن فيهم أفراد عائلتي الذين لم يخفوا فرحتهم بهذا التغيير السلمي ، بعد أن عشتُ وإياهم سنين من الخلاف والجدل حول طبيعة ما انشره ، وسبب لي ولهم الأذى .

المهم ، رحبوا بهذا التوجه الجديد ، وإن على مضض أو استحياء ، مما أكتبه في بعض الأحيان ، من قصص قصيرة ، أو قصائد ، خاصة الغزليات ذات التوق العاطفي الجيَّاش ، فوصف مفاتن أنثى يرونه مستفزًا ومزعجًا ، ولا يليق بشخص على عتبات الستين . 

الغريب هنا ليس في ردة فعل البعض ممن يتأذون من صورة فتاة في مجلة أو تلفاز ؛ ولا يتأذون من رؤية طفلة تموت في حاوية قمامة عند بحثها عن بقايا طعام .

وإنما الغريب في القصة أنني وكلما نشرتُ قصَّة حب تتوارد بعدها أنباء مُحزنة ، فتارة فلان قُتل في جبهة أو بفعل اشتباك عرضي ، أو أن فلتان وافاه أجله بذبحة قلبية أو دماغية ، فأقفز هنا إلى علبة الأسبرين ، أخذًا قرصًا ، وكأنَّ الدواء سينقذني من حالة مشابهة .

أما وحين أكتب بلغةٍ رومانسيةٍ ، فبمجرد نشرها ، تأتيني الأخبار المفزعة ، أغلبها في مواقع التواصل ، فمن حادثة مروعة في طريق ، إلى حوادث غرق أو صواعق أو رصاص عائد من الفضاء  ، وإذا ليس هناك حوادث اسمع طرقات اغاثة في الباب .

وهذه الطَرَقات إشارة شؤم إلى فاجعة  أو أن هناك مولود يشبه 'صياد " في قصص الجدات ، له رأس آدمي ورجلي حمار ، ولا ادري علام الاستغراب ؟ فالأب مقزعًا والأُم مولعية ؟ فهل كانا ينتظران النبي يوسف عليه السلام ؟.

في باديء الأمر اعتبرتُ الأمر مجرد مصادفة ، لكن ومع إرتفاع عدد الوفيات والحوادث ، أخذتُ المسألة بجد ، حتى أنني لا اتعجل بالنشر لحين معرفة أنَّ اليوم مضى بسلام ، ومع انتظاري إلى وقت متأخر تكون النَّاس آنست هجوعها ، استيقظ الصباح على فجيعة ، وأقلها ضررًا أن اسطوانة الغاز فرغت  .

البارحة فاض صبري ؛ فكشفت سرِّي الذي احتفظت به . كنتُ ممدًا في السرير ، وفجأة وجدتني أضحك وأبكي وبهستيريا ؛ فنهضت زوجتي هاربة إلى غرف أولادي وزوجاتهم ، طرقت أبوابهم بقوة ومنادية : الحقوني ، أبوكم جن ، إنَّه يضحك ويبكي ) وأضافت قليلًا كمقبلات وتوابل : أضحى يهذي مع أُم الصُبيان  ).

هرعوا جميعًا بملابس وملاءات نومهم ، جلسوا بجواري ينظرون إلي بدهشة ممزوجة بالفزع ، اقترب أشجعهم ولمس ناصية رأسي : سلامتك يا بطل الغَزَل والغِزْلان  ، حرارتك منخفضة فلا شيء يدعو للقلق ، إيش أصابك ).

التفتت إليهم وقلت : صلَّوا على النبي ، ما هذه الفزعة ، فقط عملت بنصحكم ؛ فهربت من السياسة إلى الرومانسية ؛ فوقعت في شراك الحب " وأخذت ادندن بأغنية الفنانة ، مليون الحمامي  : أنا متيَّم مبلي ، ما حد يحبك مِثلي ، اهلا بمحبوب قلبي ، تفضَّل أجلس جنبي ... ) .

وقبل أن أكمل الأغنية ، نطَّت زوجتي إلى فوق رقبتي مثل قطة متوحشة ، فلم تنزع يديها إلَّا بعد أن رأت دمعة نازفة وقد امتزجت بابتسامة تشبه توديعة الفراق ..

محمد علي محسن