عبدالرب السلامي
عبدالرب السلامي

ما هي الفيدرالية الجنوبية التي تقصدون؟

الحديث عن دولة جنوبية فيدرالية، قبل أن تستعاد الدولة، وقبل أن تحل القضية الجنوبية، هو شرعنة لتفكيك الجنوب، وضربة للقضية في مقتل، سواء صدر ذلك بوعي أصحاب هذا المشروع أم بغير وعي!.

 

سؤال: للذين يتحدثون عن الفيدرالية الجنوبية:

 

هل تقصدون بها: فدرالية السلطنات والمشيخات، أم فيدرالية المحافظات الست، أم فيدرالية المحافظات الثمان، أم فيدرالية المحميتين الشرقية والغربية وعدن، أم فيدرالية أقاليم مؤتمر الحوار الوطني؛ إقليم شرقي وإقليم غربي؟!

 

يا ترى هل درست هذه الخيارات بعمق من قبل مختصين في النظم السياسية، وهل جرى حولها حوار سياسي معمق بين القوى السياسية، وهل خصعت للنقاش المجتمعي الموسع حتى تتبلور كمشروع وطني؟!

 

 بالتأكيد، لا، لم يحصل شيء من ذلك، ولو حصل فهو في نطاق محدود وبشكل سطحي ومسلوق. ويا كم جنى شعبنا من الويلات بسبب القرارات المصيرية المسلوقة!.

 

منطقيا، لكل شكل من هذه الأشكال الخمسة للفيدرالية المفترضة مصالح ومخاطر كثيرة، ولكل منها تاريخ في الوجود على الجغرافيا الجنوبية. وعدم الإجابة عن الاسئلة المطروحة بشأنها، يفتح الباب على مشكلات كثيرة، أذكر منها ثلاث مشكلات:

 

المشكلة الأولى: هذا الطرح هو تقديم للعربة قبل الحصان. والعربة عندما تتقدم تعيق الحركة، ويصبح الحصان عاجزا عن السير. وطرح موضوع الفيدرالية الجنوبية بهذا الأسلوب المبكر معناه تعقيد حل القضية، وتجميدها، إن لم يكن القضاء عليها، لا سيما والنقاش لا يزال في مرحلة البحث عن إطار لها في مفاوضات الحل السياسي للأزمة اليمنية!. 

 

المشكلة الثانية: هذا التسويق للفيدرالية دون تحديد ما هية كياناتها وحدودها بوضوح، سيفتح الباب لكل منطقة في الجنوب (محافظة، سلطنة، مشيخة إقليم)، أن تدعي أنها كيان سياسي له الحق من الان في المطالبة بالحكم الذاتي، وهذا سيجعلنا أمام فوضى وتمردات مناطقية يصعب التنبؤ بعددها، ويصعب السيطرة عليها.

 

المشكلة الثالثة: لو افترضنا وحصل الجنوب على حق تقرير المصير، وبالتأكيد لن يكون ذلك قريبا وفق المعطيات الدولية والاقليمية والوطنية، فإنه سيأتي على كيان مفكك، بل قد يكون مبتورا وقد ذهب أجمل ما في خريطته، فكل كيان لديه سند تاريخي أو ثروة أو دعم خارجي، سيدعي بأن له الحق في تقرير المصير والاستقلال من الجنوب بنفس مستوى الحق الذي للجنوب في الانفصال من اليمن، "وما فيش أحد أحسن من أحد!" وعلى وجه الخصوص تلك الكيانات التي ترى أن لها شرعية تاريخية في الوجود، قبل وجود دولة الجنوب (السلطنات والمحميات السابقة) أو شرعية جيوسياسية (المحافظات المحورية). 

 

ختاما.. لا شك أن المستفيد من وضع عربة الفيدرالية قبل حصان الدولة، هي القوى المعادية للقضية الجنوبية، أو التي لا تريد حلها لارتباط وجودها السياسي ببقائها، وكذا القوى الخارجية التي لها مصلحة في تقسيم اليمن وتمزيق الجنوب في آن معا. 

 

 أتمنى من الزملاء الأعزاء في المكونات السياسية الوطنية عموما والجنوبية خصوصا، أن يعوا مخاطر ذلك الطرح العاطفي حول موضوع الفيدرالية الجنوبية، وكذا دعاوى الحكم الذاتي المتوالية. وأن لا ننجر إليها كمكاسب لحظية. فما تتساهل به اليوم قد تبكي منه غدا. ولات حين مندم.