محمد علي محسن
محمد علي محسن

تحابوا .. تهادوا يرحمهكم الله .. 

الحبُّ ليس مجرد شعور أو كلمةً عابرةً تتراقص على ألسنة العابثين ، أو حروفاً نخطُّها على الورق ، إنه لغة تتجاوز الكلمات، وسحرٌ يرسم البسمة على تعبيرات الألم، وحلم يستشرف الغد الذي نروم تحقيقه .

 

هو النبضُ الذي يمنح الحياة لروح الإنسان، والحكمة التي تضيء دروب الوجدان، والقوة التي تُضيء ليالي الظلام الحالكة. 

في زمنٍ امتلأ بالقسوة والبغض ، أصبح الحبُّ أملَ كل قلب مبتلى ، وبوصلةَ الفؤاد التي تهدي التائهين في متاهات البغض والفرقة.

الحب هو فن الحياة الذي يجعل من الإنسان إنساناً، ومن العالم مكاناً يحتضن الجميع دون استثناء، فلا نحيا على هامش خوفٍ أو رقابة قاسية،وإنَّما في وطن ينعم بالحرية والوئام والاحترام.

 

حين تهجرنا لغة القلوب، وتغلقنا وراء أبواب الكراهية، نضيع في ليلٍ مظلم لا يُرى فيه إلا وحوش الحقد تنتشر في أرجاء النفوس ، نابشة جذور الخوف والضغينة، تدنس ظلالها على أجمل ما كنا نحلم به.

 

إنه ذاك السرُّ المقدس الذي يرتقي فيه الوعي ، وتختفي فيه الأصنام .هو النَّسغُ الذي يَجري في شرايين الوجود ، والسُّلطانُ الذي تُبنى به النفوسُ، فتَسمو، وتُشاد به الأممُ . 

 

لقد أفرطنا في تعقيدِ الحياةِ، وأهملنا أبسطَ قوانينها وأعظمها: لغة القلوب، لغة الحب. فكيف نُحب؟ وكيف ننشرُ هذه الشُّعلة المقدسة في دروبِ حياتنا القاحلة؟! وكيف نتهادى المحبة والجمال ، كما تتهادى أنوارُ الكواكب في حُلّة الليل الساحرة ؟! .

 

إذا ما غاب الحب عن النفوس، عمَّ فيها الجفاف، وذبلت الأزهار في بساتين الوجوه . فلا أمة تُبنى بلا حب، ولا قلوب تصفو بلا صدق، ولا حياة دون البراءة والرقة.

 

إنَّ الحديثَ عن الحبّ لَيُربكُ أقواماً، ويُشعل في أعينهم شرراً غاضباً، كأنه نَقضُ عَهدٍ مع وهمِ القوة ، أو اختراقٌ لِستارِ الزيفِ الذي اعتادوا عليه. 

أناسٌ عاشوا كَالظِّلال، ورحلوا إلى غير رجعة، دون أن تتحرَّك شفاههم بكلمة "أحبك" تُذيبُ جليدَ صمتِ علاقاتهم . 

وآخرون، ما زالوا بيننا ، يتنفَّسون هواءَ الحياة ، لكنهم في حقيقة أمرهم أمواتٌ ، يُقيمون في صحراءٍ قاحلةٍ من المشاعر .

 

فالرجل الذي يَعُوزه الحبُّ ليملأ به قلبَ شريكة عمره، كيف له أن يبني وطناً؟! . إنَّ مَنْ يبغض ويحقد ويُقفل قلبه ، ويَعجزُ عن بَثِّ الحياة في ركنٍ من أركان بيته، كيف له أن يُشارك في إحياءِ أمَّةٍ ؟!

 

فالأوطانُ ليست مجرَّدَ مساحة على الخريطة ، أو ترابٍ وجبالٍ ورمال وبحار . الأوطانُ، في صميمها، وجدانٌ يُغذِّي الأفئدةَ، وحبٌّ يَسري في النفوس كالدَّم .

 

إنها ذلك الحبُّ المتدفق، والوفاءُ الذي لا ينقطع، والتسامحُ الذي يَمحو السوادَ من صحيفة الماضي . وبدون قلوبٍ يَعمرها الإيمانُ، وتَرويها المحبةُ، ويَحرسها التسامح ، تظلُّ الأممُ أجساداً بلا أرواح، وأغلفةً بلا جوهر . لا تنهض، ولا تتطور، ولا تُخلِّد اسمها في سِفرِ العظماء .

 

إن الحب هو الرئة التي نتنفس بها الحياة ، والسكينة التي تثور فينا لنصنع من الخراب مجداً، ومن الدمار بعثاً جديداً.

فكيف نسمو دون المحبة ؟ . كيف نرتقي بين الأمم وكيف ننشد السلام إذا ما تسلل البغض إلى ارواحنا كالسم السارق لأنفسنا ؟؟ .

 

الحبّ رسالة لا تعرف التفرقة أو الغبن ، فهو النسيج المشترك للحياة التي نشترك فيها سوياً، واللحن الذي يشدو به القلب في لحظات الألم والفرح على حد سواء.

 

لنحتضن الحب ، ونزرع بذوره في كل دروبنا، ولنجعل منه شعلةً لا تنطفئ في عواصف الشرور والقسوة، لنبني به وطنًا يتسع للجميع، لا يفرق بين لونٍ أو دين أو لغة ، الحبّ الذي يجمعنا في وحدة الروح والقلب.

 

بالحب نتحرر من قيود الأنانية ، السلام الذي يبدأ في داخلنا لكي يفيض على العالم، هو ذلك الوهج الذي ينير دروبنا حين تخفت أضواء الحقيقة.

 

فهل نملك هذا السمو؟ هل نختار الحب رغم كل الصعاب؟ هلّ لنا أن نروي أعماقنا بحبٍ يُحيي فينا الإخاء والمودة؟.  

 

وهكذا، يصبح الحبُّ سلاحاً أقوى من كل سيوف التفرقة، وجداراً يحمي أرواحنا من عواصف الكراهية والضغائن. به نعود لنلم الشمل ، ونعيد بناء جسور التواصل، ونمضي في طريق السلام والاحترام .. 

 

فليكن الحبُّ عنواننا ومفتاح قلوبنا، لأنه بسموهِ يصير الإنسان إنساناً، والوطن وطناً، والحياة أسمى وأجمل. ولتكن محبتنا سماءً تظلنا، ورحيقاً يُزهِر في قلب كل إنسان، مهما عصفت به رياح الألم.

 

 

 

مُحمَّد علي مُحسن