تاريخ الأئمة الزيديين في اليمن مليئ بثورات الخروج طوال العصور الاسلامية، بدءا بالثورة ضد الخلافة العباسية وسلاطينها الزياديين والإيوبيين والمماليك وانتهاء بالعثمانية، وكان دافعهم في تلك الأحداث هو عقيدة (الولاية) التي حصرت شرعية الحكم في سلالة البطنين دون سواهم من البشر.
غير صحيح ما تروجه بعض الأقلام التي تريد تزييف التاريخ بوصف حروب الائمة الزيديين بالثورات الوطنية، فمفهوم الدولة الوطنية لم يكن موجودا في تلك العصور، وكما هو معلوم أن أول ظهور لمفهوم الدولة الوطنية في بلادنا العربية كان قبل حوالي مائة عام فقط، أي بعد الحرب العالمية الأولى.
بالعودة الى مصادر تاريخ الحركة الزيدية نجد أنها تتحدث عن عدم شرعية دول الخلافة، وأن هدف الائمة هو إقامة دولة من سلالة البطنين بديلة عنها، ولذا عندما تمكن الإمام المؤيد القاسمي من حكم اليمن بعد خروج العثمانين لم يتوقف عند حدود اليمن، بل كانت حملته التالية باتجاه مكة المكرمة، فأين هي الوطنية إذن؟!.
لا حجة للذين يريدون أن يضفوا على حركات الخروج الزيدية أو غيرها من الانتفاضات القبلية التي انطلقت في اليمن -في العصور العباسية والإيوبية والمملوكية والعثمانية- مسمى الثورات الوطنية، فهي وجدت في ظل مفاهيم مختلفة جذريا عن مفاهيم النظام الدولي المعاصر للدولة والوطن والهوية!
الحركة الوحيدة للإئمة الزيديين التي يمكن اعتبارها مقاومة وطنية هي تلك التي قادها الإمام يحيى حميد الدين ضد الانجليز بعد اعلانه قيام المملكة المتوكلية اليمنية لسبب موضوعي وحيد: أنها حملت أول مسمى وطني للدولة، ولو بصورة مجازية.
ومع ذلك لم يكن الإمام يحيى هو المؤسس الوحيد للمقاومة ضد الاحتلال البريطاني، بل كانت هناك مقاومة قبائل تهامة قبل دخوله إليها بعدة سنوات، ثم هناك انتفاضات أخرى وجدت في الجنوب لا صلة له بها، كثورة ابن عبدات في حضرموت التي قمعها الانجليز بسلاح الطيران بوحشية لا تقل عن عن وحشية قصف قعطبة وتعز وصنعاء.
ختاما، أعود وأقول: إن التشبع بعقيدة (الولاية) وحصر شرعية الحكم في سلالة البطنين مشكلة فكرية تورث حروبا مستدامة، ويستحيل لمن تشبع بها أن يقبل بوجود الدولة، ولذا ليس من حل لهذه المشكلة وأمثالها إلا بصهرها ضمن مشروع الدولة الوطنية الحديثة، وهذا مشروع طويل، لا بد من العمل لتحقيقه، وإن كانت تقف أمامه جبال من التخلف.