أسفرت الحرب العالمية الثانية عن تغيير جذري في خريطة النظام الدولي، حيث برزت أمريكا والاتحاد السوفيتي كقوتين عظميين تتقاسمان ليس فقط تركة الدول التي هزمت في الحرب (ألمانيا واليابان)، بل تركة مستعمرات حلفائهما من قوى الاستعمار القديم التي خرجت من الحرب مثخنة بالجراح (بريطانيا وفرنسا)!.
لم تخضع بريطانيا لميزان القوى الجديد، حالها كحال الأسد الجريح الذي لا يقر بالهزيمة، فلم تتخل عن نفوذها التاريخي في الشرق الأوسط بسهولة، الأمر الذي أدخل المنطقة في صراع محاور (أمريكي، سوفيتي، بريطاني وفرنسي) جر إلى سلسلة من الثورات والانقلابات والانقلابات المضادة، في حالة تشبه صراع المحاور الذي نعيشه اليوم.
خسرت بريطانيا نفوذها في الشرق الأوسط في ثلاث محطات رئيسية، أولاها فيما عرف باتفاق (السفينة كوينسي) بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، والثانية بسقوط حليفها النظام الملكي في مصر وهزيمتها في حرب السويس عام 1956 التي سماها هيكل (معركة قطع ذيل الأسد)، والثالثة بخسارتها لمستعمرة عدن ورحيلها من جنوب اليمن عام 1967.
في مصر دعمت أمريكا حركة الضباط عام 1952، باعتبارها المدخل لتصفية النفوذ البريطاني في المنطقة، وفي حرب السويس وقفت أمريكا إلى جانب الاتحاد السوفيتي ومصر ضد العدوان الثلاثي، ولم يشفع لبريطانيا أمام أمريكا كونها حامية إسرائيل وعضوا في حلفي الناتو وبغداد، فالقرار الأمريكي كان مصيريا ولا يسمح بوجود رأسين في قيادة المعسكر الغربي!
خسارة بريطانيا للسويس بعد سنوات قليلة من فقدانها لدرة التاج (الهند)، جعلت الأسد "مقطوع الذيل" يتحصن في آخر عرين له في شرق العالم في مستعمرة عدن وسواحل الخليج، ومن يومها أصبحت (عدن) هي درة التاج الجديدة والميناء الرئيس والقاعدة البديلة عن السويس، وهذا هو سر ازدهار عدن خلال الخمسينيات والستينيات، ازدهار ارتبط بمصلحة الاستعمار وظروفه الملجئة، وانتهى بانتهائها.