ما حصل في أمريكا من أزمة أثناء الانتخابات الأمريكية وآخرها اقتحام انصار الرئيس المنتهية ولايته دولاند ترامب لمبنى الكونجرس، ينم عن انقسام عميق في الدولة الديمقراطية الكبرى في العالم، ولا أتوقع أن ينتهي هذا الانقسام بمجرد تسليم ترامب السلطة.
المشكلة ليست مشكلة انتخابية أو سوء إدارة للتنافس على السلطة بين أطراف حزبية تنطلق من أرضية واحدة، كما هي مساحة الديمقراطية الطبيعية، ولكنه صراع ذو أبعاد اجتماعية وثقافية لن ينتهي بانتهاء الانتخابات، وقد يتجدد بصور مختلفة في العقود القادمة.
ترامب هو رمزية لتيار شعبوي يضم فئات متناقضة من أقصى اليمين الرأسمالي وأقصى اليمين المسيحي والقاع الشعبوي الغاضب من سياسات العولمة والهجرة، وبالتالي نحن أمام ظاهرة قد لا تنتهي في حدود سلطة البيت الأبيض، ولا في حدود الولايات المتحدة.
لأن الولايات المتحدة قوة دولية كبرى، فالانقسام داخلها بين اليمين الشعبوي واليسار الديمقراطي، سيؤثر بالضرورة على العالم وبالذات على الدول التي تدور أنظمتها في الفلك الأمريكي المباشر مثل أوروبا ودول الشرق الأوسط، وما الأحداث التي شهدتها بعض دول أوربا الغربية والأزمة الخليجية الأخيرة وارتدادات ما بعد الربيع العربي التي حصلت أيام ترامب إلا نماذج مبكرة لذلك التأثير.
المؤشر الإيجابي الذي نلاحظه بالنسبة لأمريكا، إنه برغم عمق الانقسام إلا أن المؤسسات الدستورية لا تزال من القوة والمتانة بحيث تمنع تحول الأحداث الى أزمة صفرية تعصف بكيان الدولة، وبذلك يتضح للمتابع أن الديمقراطية في أمريكا لا تزال قوية وقادرة على تجاوز الوعكة التي أصابتها.
لكن السؤال هو: كم سيستمر عمر تلك القوة والمتانة لتلك الديمقرلطية؟ ذلك ما يمكن الإجابة عليه أثناء إدارة بايدن القادمة ومدى قدرتها على جبر ذلك الانقسام!.