طالعتنا الأخبار مؤخرا باتفاق تركي عربي متمثل في مصر والسعودية اللتين تعدان أكبر وأهم دولتين عربيتين، يتعلق الاتفاق بتخفيف التراشقات الإعلامية تبعا لملفات استراتيجية أكبر من الإعلام.
فما وراء هذا التقارب؟
لا أتحدث هنا عن معلومات أقدمها، ولكن الحديث عن استراتيجيات الأمتين المسلمتين العظيمتين اللتين تعدان جناحي الطائر الإسلامي المتوثب للتحليق: العرب والأتراك.
لا يخفى على أحد أن هاتين الأمتين العظيمتين المكبلتين بقيود ما بعد الحرب العالمية الأولى إن نهضتا فسيتغير وجه التاريخ تماما.
كلتا الأمتين كانتا قبل الإسلام قبائل بدوية مشتتة، كوّن منهما الإسلام حضارتين عظيمتين حكمتا مشارق الأرض ومغاربها.... ثم هزمهما الغرب، وشتتهما، ولازالتا مشتتين ولكنهما تكافحان في سبيل إعادة المجد، ولا شك لدى عاقل أن لا عودة لهما إلا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، متى ما طلبنا العزة بغيره أذلنا الله).
لا نطيل كثيرا في فلسفة التاريخ وأسس الانطلاق ولنعد إلى الواقع الحالي:
لا شك أن أتراك الأناضول قد حققوا إنجازات عظيمة في طريق السيادة والتحرر من السيطرة الغربية، وهم في طريق تكوين كيان تركي يجمع الأتراك المشتتين في خمس دول في اتحاد تركي مؤهل لأن يكون بحجم الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الأمريكي أو الاتحاد الروسي.
وهم يكافحون في هذا الطريق هم بحاجة ماسة إلى العرب المشتتين مثلهم، ولكن في إحدى وعشرين دولةً!
تحتاج أمةُ الترك أمةَ العرب حلفاء وشركاء مصير مشترك، وأخوة دين إسلامي جامع هو أساس قوة الأمتين.
فإن لم يكونوا حلفاء فعلى الأقل يكونون محايدين في معركة الاتراك المصيرية مع القوى العظمى المتسلطة على الأرض التي تتطلع إلى توظيف الأنظمة العربية في حربها ضد الأتراك.
لا أدري ماذا وراء التهدئة هل هو تحالف استراتيجي؟ أو معاهدات سلام وحياد وتعاون؟ أو هدنة مؤقتة؟
لكن الذي يهمنا كثيرا هو وضع رواد وطلائع ومصلحي الشعوب العربية الذين يتطلعون إلى تأسيس الكيان العربي العظيم المتحرر من الاستعمار الغربي، المعبر عن الوضع الحقيقي للأمة العربية، المنسجم مع عقيدتها وتاريخها وجغرافيتها وتطلعاتها المشروعة كأمة كبرى تعيش على هذه الأرض.
هذه القوى الرائدة كانت متأرجحة بين تبني الإصلاح المتدرج البطيء، وبين التغيير الثوري الشامل.
بينما هي في هذا النقاش قامت حركة الشعوب العربية المعروفة بثورات الربيع العربي وفق رؤية التغيير الشامل السريع الخاطف.
أثبتت التجربة بعد حوالي عشر سنوات من إخفاقها أن التغيير الثوري الشامل السريع الخاطف في ظل وضع شديد التعقيد ليس بالأمر الممكن.
فهل اقتنع الأتراك والعرب بجناحيهم الحاكم والمعارض على العودة إلى طريق علاقة الإصلاح المتدرج البطيء بين الأنظمة العربية وطلائع شعوبها.
أم أن هناك أمور أخرى؟
سنتأمل حركة التاريخ... لكن الذي لا شك فيه أن مستوى وعي الشعوب العربية قد تقدم تقدما كبيرا واضحا في السنوات العشر الأخيرة. تقدم تشعر به بقوة الأنظمة العربية ومن يقف وراءها، يحتم على جميع العرب تغيير قواعد اللعبة... (والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).