الذين يديرون الدولة في بلادنا بعد أن وُضعت تحت البند السابع، وخاصة الأمريكان والبريطانيين من الرباعية عندما عينوا الدكتور بن مبارك عينوه على أساس أنه ممثل الشعب في منظومة الدولة التي هندسوها على أساس أولوية مصالحهم.
بهذا الاعتبار تكون قوة بن مبارك الشرعية أقوى من قوة الثمانية، لأن الشرعية أساسها الشعب، والثمانية ليسوا منتخبين من الشعب، ولا يمثلون مصالح الشعب.
صحيح أن بن مبارك غير منتخب من الشعب لكن الثقافة الأنجلوسكسونية التي أنتجت الثورتين الأمريكية والبريطانية تدرك حق الشعب في السلطة والثروة، وهما ثورتان تختلفان عن الثورة الفرنسية في أنهما أنتجتا مصالحة بين الشعب والارستقراطيين لتقاسم السلطة والثروة بما سمي مجلس العموم واللوردات في بريطانيا، ومجلس النواب والشيوخ في أمريكا، وما نتج عن تلك المصالحة من حزبي العمال والمحافظين في بريطانيا، والحزبين الجمهوري والديمقراطي في أمريكا.
وبهذه الثقافة البراجماتية الأنجلوسكسونية يدركون أن الشعب الذي خرج سنة 2011 للمطالبة بحقوقه المشروعة له الحق الأساسي في منظومة الدولة، وفي نفس الوقت يريدون الحفاظ على مصالحهم في هذا البلد الاستراتيجي على طرق التجارة العالمية.
وبهذا الاعتبار هم من عين الثمانية، فالثمانية ليسوا ممثلي الشعب ولكنهم ممثلو مصالح القوى الدولية والإقليمة؛ ولهذا تجد الموظفين والعسكر الذين يتبعونهم لا يستلمون رواتبهم بالعملة المحلية وإنما بالعملة الخارجية.
وبالمقابل هم الذين عينوا بن مبارك باعتباره ممثل الشعب..بالطبع ممثل الشعب لابد أن يكون منتخبا من الشعب، ولكن الدولة التي توضع تحت البند السابع يُصنف شعبها بأنه شعب قاصر يحتاج إلى الوصاية، وبموجب هذه الوصاية اختير ممثلهم من قبل الأوصياء.
طبعا الأمريكان والبريطانيين يريدون ممثل ثورة 2011 في منظومة الدولة التي هندسوها يريدونه سياسيا مرنا يعرف المعادلة السياسية التي صنعوها، ولهذا أسسوا حزب الوطن المنبثق من ثورة فبراير باعتبار أنه يمثل جناح الحمامات المرنة في الثورة، وإلى هذا الحزب ينتمي الدكتور معين عبدالملك والدكتور بن مبارك، وهما بالنسبة لمن يديرون البند السابع أنسب من الأستاذ باسندوة والدكتور بن دغر وأمثالهما من الوطنيين الذين يميلون نحو الاستقلال التام والتحرر من الوصاية، وقد استُبعد معين عبدالملك لأن شجاعته ليست بالقدر الكافي، فجاء بن مبارك بعده ليكون صاحب مدافعة شجاعة لصالح الشعب ولكن في إطار منظومة البند السابع، التي لم يفهمها آخرون من صقور 2011 ليسوا في درجة كافية من المرونة من وجهة نظر الانجلوسكسون والرباعية عموما، بل من وجهة نظر السياسة التي تعني فن الممكن.
هذه المعادلة يدركها الدكتور بن مبارك جيدا، ولهذا السبب كانت أول رسائله موجهة إلى الشعب، وقال لهم بتلميح واضح إنه ممثلهم في منظومة الدولة، ويعرف معاناتهم جيدا، ويشعر بألمهم، وأنه منهم وإليهم، وشاهدناه يشرب الشاي والليم في الشارع ويأكل الفاصوليا في المطاعم الشعبية؛ لإيصال هذه الرسالة إلى الشعب، وبدأ خطة لاستعادة أموال الشعب التي نهبها (الفساد المحلي) الذي بدوره قاوم إصلاحات بن مبارك وسعى إلى تعطيل وظيفته ثم اتهامه بالعجز وقلة الحيلة.
إذا صدقت الأخبار بتغيير بن مبارك وتعيين مجرد آلة تكنوقراط لا يبالي بالشعب والموظفين الكادحين وينفذ أوامر المتنفذين الذين يتطلعون إلى ما بقي من لقيمات في أفواه الشعب فهذا يعني نذير شؤم على الشعب الذي أصبح الشعب الأكثر بؤسا على مستوى العالم، وسيكون هذا القرار الخاطئ قد دشن مرحلة ثورة الجياع التي سيتجاوز سقفها ثورة 2011م، وحراك 2007م، اللهم إلا إذا غُيِّر بن مبارك برجل أشجع منه في التعبير عن مصالح الشعب والدفاع عنه ويسير بالبلاد نحو الحوكمة والشفافية والاستقلال، وهذا ما لا يبدو في الأفق، وإذا لم يكن ذلك فعلى الأقل يثبِّتون الدكتور بن مبارك ليواصل خططه ويُمَكَّن من وظيفته بدون عراقيل.
د. عارف عبد