مسألة الخُمس المثارة هذه الأيام مثلها مثل سائر المسائل الفقهية الأخرى المتعلقة بالحروب وتوزيع المال العام، لا يمكن فهمها إلا في ظل المقاصد الكلية للحرب والسلام، كما لا يمكن تطبيقها إلا في ظل دولة مكتملة المؤسسات، وكذلك لا يمكن تقنينها إلا بوجود منظومة تشريعية دستورية مستقرة. وهذا كله غائب عند السلطة الانقلابية في صنعاء، فعن أي قانون خُمس يتحدثون؟!
التوظيف السياسي الحوثي لمسائل الدين لتنفيذ مشروعه السلالي شيء معروف ونهج مستمر، ولن يزول بالجدل النظري حول مسائل الخُمس والولاية والعترة كمسائل فقهية جزئية متناثرة، ولكن يمكن أن يزول بمشروع سياسي وطني يستعيد الدولة ونظامها الجمهوري، ويحفظ الحريات، ويطبق أحكام الشريعة الاسلامية ضمن إطار تشريعي دستوري متكامل. ما يقوم به بعض العلماء والمثقفين -هذه الأيام- من نقاشات حول مسألة الخُمس كمسألة فقهية بحتة بعيدا عن الحيثيات السياسية التي أثارتها، سيظل -من وجهة نظري- جهدا في غير محله، ولن ينجح في إيقاف مشروع الحوثي في استغلال مسألة الخُمس، بل العكس قد يستفيد من ذلك الجدل لتبرير قراراته السلالية، باعتبار المسألة خلافية فقهيا!
للأسف هذه الظاهرة -ظاهرة التعاطي مع مسائل الدين بشكل مجرد وبمعزل عن الحيثيات الواقعية والخلفيات السياسية التي أثارتها- تتكرر في الوسط العلمائي السني مع كل قضية خلافية يتعمد الحكام المستبدون إثارتها وقت حاجتهم لها لتبرير انتهاك الحقوق وهدم الثوابت والقيم تحت غطاء من الشرعية الدينية.