كتب: رولا القط
في مقابلة حديثة مع سي إن إن، أكد الرئيس الإيراني أن حزب الله لن يقف وحيداً في مواجهة إسرائيل. كما صرح مسعود بيزشكيان بأن حزب الله غير قادر على مواجهة دولة مدعومة من قوى غربية، أوروبية، والولايات المتحدة. هذه التصريحات تأتي في وقت حساس، حيث وصل بيزشكيان إلى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان من المفترض أن يوضح موقف إيران من الأزمات المتصاعدة في المنطقة.
الرئيس الإيراني بدا وكأنه يحاول التوازن بين دعواته للسلام واستعراضه للقدرة العسكرية لإيران وحلفائها، وخاصة حزب الله. إلا أن تصريحاته أثارت جدلاً واسعاً بعد أن نقلت وكالة بلومبرغ عن بيزشكيان قوله إن إيران مستعدة لخفض التوتر مع إسرائيل طالما التزمت الأخيرة بنفس الأمر. لكن هذا التصريح سرعان ما نُفي من قبل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي أكد أن بيزشكيان لم يدلِ بمثل هذا التصريح.
بيزشكيان أوضح في حديثه للصحافيين قبل انعقاد الجمعية العامة أن إيران ترغب في السلام، لكنها لن تتردد في الدفاع عن حلفائها إذا تعرضوا للظلم. وأضاف: "نحن على استعداد لوضع أسلحتنا جانباً إذا فعلت إسرائيل الشيء نفسه"، مشيراً إلى أن إيران لا تسعى لزعزعة استقرار المنطقة، لكنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرض حلفاؤها للخطر.
هذه التصريحات تطرح تساؤلات حول نوايا إيران الحقيقية. ففي الأسابيع الأخيرة، انتشرت شائعات حول احتمال "التخلي" عن حزب الله، إلا أن هذه الادعاءات تبدو بعيدة عن الواقع. إيران لا تستطيع التخلي عن حزب الله أو الجماعات الأخرى مثل الحوثيين، لأنهم يشكلون جزءاً محورياً من استراتيجيتها الأمنية والدفاعية في المنطقة.
إيران طالما اتبعت سياسة إدارة الأزمات خارج حدودها لتجنب انتقالها إلى الداخل. هذه السياسة أصبحت أكثر أهمية اليوم، في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها النظام الإيراني. دعم الجماعات المسلحة في المنطقة لا يعزز فقط نفوذ إيران، بل يعتبر أداة لاحتواء التوترات الداخلية ومنع انتقالها إلى الشارع الإيراني.
من هنا، يمكن الاستنتاج أن إيران لن تتخلى عن حزب الله أو الجماعات التابعة لها، لأن هذه الجماعات ليست فقط أدوات استراتيجية لإدارة الأزمات الإقليمية، بل إنها ضرورية لضمان استقرار النظام الإيراني نفسه. ولذلك، رغم أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين قد تبدو ظاهرياً موجهة نحو تقليل التوترات، إلا أنها في الحقيقة تعكس ضعف النظام وقلقه الداخلي.
النظام الإيراني، الذي يعاني من ضغوط داخلية هائلة بسبب تدهور الاقتصاد واحتجاجات متزايدة، ليس في موقع يسمح له بالمغامرة بخوض حرب مباشرة. لذلك، يعبر النظام عن مخاوفه ويستخدم حزب الله كوسيلة لإيصال رسائله وتهديداته، في حين يبقى هو متحصناً خلف ستار من الخطابات الدبلوماسية.
في نهاية المطاف، النظام الإيراني يبدو في وضع هش للغاية، حيث يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية قد تؤدي إلى انهياره أو سقوطه إذا لم يتمكن من إدارة أزماته بشكل فعال.
تحليل تصريحات الرئيس الإيراني في المقابلة مع سي إن إن يكشف عن محاولة واضحة من النظام الإيراني للتوازن بين إظهار الرغبة في السلام وبين التمسك بأوراق الضغط الإقليمية المتمثلة في حلفائه، وعلى رأسهم حزب الله. النظام الإيراني يواجه معضلة أساسية: من جهة، هو لا يستطيع تحمل الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل أو الغرب بسبب الوضع الداخلي الهش. ومن جهة أخرى، يحتاج إلى الحفاظ على دوره كلاعب رئيسي في المنطقة من خلال دعم جماعات مسلحة مثل حزب الله.
تصريحات بيزشكيان بأن حزب الله لا يمكنه مواجهة إسرائيل بمفرده، مع اعترافه بالدعم الغربي الواسع لإسرائيل، تشير إلى إدراك إيران أن ميزان القوى ليس لصالحها وحلفائها في حال اندلاع حرب مباشرة. وفي الوقت نفسه، استخدامه لخطاب السلام والتفاوض مع إسرائيل يعكس رغبة النظام في تجنب التصعيد العسكري، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة داخلياً.
ما يُثير الاهتمام في هذا السياق هو تناقض التصريحات بين بيزشكيان ووزير الخارجية عباس عراقجي. هذا التناقض يعكس حالة من الارتباك أو ربما تعدد الأصوات داخل النظام الإيراني، حيث يحاول كل طرف الترويج لرواية معينة وفقًا لجمهوره المستهدف. ففي الوقت الذي يتحدث فيه بيزشكيان عن استعداد إيران لخفض التوتر مع إسرائيل، ينفي عراقجي هذا التصريح، مما قد يشير إلى وجود انقسامات داخل القيادة الإيرانية حول كيفية التعامل مع التوترات الإقليمية.
إيران طالما اتبعت سياسة استخدام وكلائها في المنطقة كأدوات للحفاظ على نفوذها ولإدارة الأزمات بعيداً عن أراضيها. هذه السياسة تبدو الآن أكثر أهمية للنظام في ظل الظروف الداخلية المتفاقمة. دعم حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى لا يعزز فقط مكانة إيران كقوة إقليمية، بل يساعد أيضاً في منع انتقال التوترات إلى داخل إيران نفسها. لذلك، أي حديث عن "التخلي" عن حزب الله لا يعدو كونه شائعة لا تعكس الواقع، فالنظام الإيراني يعتمد على هذه الجماعات كأداة لحماية استقراره الداخلي.
في النهاية، تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول السعي للسلام قد تكون مجرد ستار يخفي وراءه قلق النظام من الوضع الداخلي. هذا النظام يواجه أزمة شرعية كبيرة مع استمرار الاحتجاجات وتدهور الاقتصاد، وليس في موقع يسمح له بالدخول في صراعات إقليمية جديدة. بدلاً من ذلك، يبدو أن إيران تفضل الاستمرار في استخدام حلفائها الإقليميين كأدوات للضغط والتفاوض، مع إبقاء الأوضاع تحت السيطرة قدر الإمكان لتجنب انهيار داخلي محتمل.
في هذا السياق، يبقى النظام الإيراني في موقف ضعيف، حيث تحاول قيادته تفادي الانهيار باللعب على الحبال الإقليمية، مستخدمة الخطاب الدبلوماسي من جهة، والجماعات المسلحة من جهة أخرى. لكن مع استمرار الضغوط، قد يجد النظام نفسه في مواجهة صعبة، حيث لن يكون قادراً على الاستمرار في هذه المناورة إلى الأبد.