يبدأ سعيد مثنى يومه متجولاً في سوق القات في مدينة الضالع التي تبعد من عدن 120 كيلومتراً تقريباً باحثاً عن أغصان القات ذات النكهة الجيدة والمفعول التكييفي.
مثنى ذو العقد الخامس من عمره أصبح بعد التقاعد من وظيفته مستهلكاً وبائعاً للقات في الوقت نفسه. بعد صلاة الفجر، يقصد أسواق حراج القات ليعود بكمية يبيعها على مفرشة في سوق المدينة.
ويروي مثنى لـ"النهار العربي:: "اكتسبت شهرة كبيرة في هذا السوق لأن قاتي لا يشتريه الا الموالعة الكبار (أي كبار المخزنين الذين يمضغون القات ذا الجودة العالية) وهو يباع بسعر مرتفع يصل أحياناً الى أكثر من 300 ألف ريال يمني للحبة الواحدة أي ما يعادل 250 دولاراً".
ويعيش عدد كبير من سكان اليمن على زراعة شجرة القات ذات المردود المربح والقليل التكلفة، اذ تزرع هذه الشجرة في أي مكان ولا تحتاج لكثير من العناية كي تثمر.
ويضع المتعاطي أوراق القات في فمه ثم يقوم بمضغها وتخزينها في أحد جانبي فكه ويمتصها ببطء، أو يبتلع عصيرها مع قليل من الماء أو المشروبات الغازية بين الحين والآخر، وتستمر هذه العملية لساعات طويلة، اذ يبدأ المضغ (التخزين) بعد تناول طعام الغداء الذي يكون غالباً بين الواحدة والثانية ظهراً إلى قبيل غروب الشمس، ثم يعاود بعضهم التعاطي مرة أخرى حتى ساعة متأخرة من الليل.
ويأتي استهلاك القات على حساب دخل الأسر اليمنية التي أصبح ثلثها تحت خط الفقر ويعاني المجاعة، مع استمرار الحرب التي شنتها الميليشيات الحوثية وإيقاف موارد البلاد، اذ وصل معدل استهلاك الأسرة الى أقل من 3 دولارات يومياً.
ويقدر المحلل الاقتصادي الدكتور محمد سيعد كمبش أن القات يستهلك أكثر من 270 مليار ريال في الشهر تقريباً باعتبار أن متوسط شراء القات هو 3000 ريال للفرد الواحد في اليوم، إذ أفترض أن عدد المخزنين هو 3 ملايين يمني فقط خلال شهر واحد. ويوضح أن هذه التكلفة للمتعاطين، لكن هناك تكاليف أخرى يتحملها الاقتصاد تتمثل في كلفة المدخلات المستعملة في إنتاج القات وتكلفة نقلة الى مفارش بيع التفرقة على افتراض أنها تساوي 30 ملياراً، وبإضافتها الى مبلغ الاستهلاك تكون تكلفة القات على الاقتصاد 300 مليار ريال يمني في الشهر الواحد تقريباً.
ويرجع أهم الأسباب التي جعلت شجرة القات تحتل المركز الأول في اليمن الى كونها نقدية، أي ما زال الطلب عليها يغطي تكاليفها ويوفر أرباحاً كبيرة لمنتجيها وبائعي القات واحتمال الخسارة فيها محدود.
ويوضح كمبش أن المعالجات تندرج في إطار إعادة تأهيل مناطق إنتاج القات من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية نظراً الى أن تعاطي القات لازم سكانها منذ مئات السنين، وهي تحتاج الى وقت طويل لكي تعود أشجار البُن أو غيرها لتحل محل القات، ويتطلب ذلك تكثيف الدعاية والتوعية لترك شجرة القات والتحول في انتاج محاصيل لم يسق انتاجها.
وبسبب زيادة الطلب على القات بات يزرع في مساحات شاسعة مستهلكاً كميات كبيرة من المياه الجوفية، بخاصة في المناطق الجافة. وحذر البنك الدولي من تعرض مناطق في اليمن للجفاف في السنوات المقبلة إذا ما استمر استهلاك المياه بهذا الشكل.
ويرى أمين محسن أن لا بديل للقات في اليمن بعدما أصبح المتنفس الوحيد لأبناء اليمن، اذ يجدون فيه متعة في بلد أصبح الموت فيه كشرب الماء.
ويتابع: "القات أقل ما فيه يساعدك على الحيوية والنشاط لكي تقوم بأعمالك وتلتقي مجتمعك بدلاً من الخمول والقعود في المنزل، بل إن طلاب الجامعات لا يستطيعون السهر للمذاكرة من دون القات".
ونشر تقرير في عام 2009 يفيد بأنه تم استخدام مليار ليتر من الديزل لضخ المياه لأغراض زراعية، وقدرت الحكومة مقدار ما صرفته لاستنزاف مواردها المائية بنفسها بقرابة 700 مليون دولار، ومرد مشكلة المياه في اليمن هو الى تخزين القات إذ تحتاج هذه الشجيرة مياهاً أكثر من باقي الأشجار وزيادة الطلب عليها يدفع المزارعين والتجار إلى مضاعفة إنتاجهم.
وبين مؤيد ومعارض لوجود شجرة القات في اليمن يتفق الجميع على أنه بات يحتل المرتبة الأولى في الإسراف بمقدرات البلد على حساب المتطلبات الضرورية للأسر اليمنية.