بشكل شبه يومي وغير اعتيادي، يتصاعد العنف الأسري في اليمن على نحو متسارع، إذ أصبحت جرائم القتل العائلية تتكرّر تكرراً لافتاً، حتى باتت مثار قلق حقيقي في المجتمع اليمني. وبينما يؤكّد مختصّون أنّ ظروفاً نفسية وأوضاعاً اقتصادية وأمنية سيئة، جراء الحرب المشتعلة منذ عام 2015، تقف وراء تلك الجرائم، يحمّل آخرون أطراف الصراع وغياب الدولة وانقطاع المرتبات والتحولات السلبية التي يشهدها المجتمع اليمني، مسؤولية تلك الجرائم التي باتت شاهدة على أن الجو العام في اليمن يغذي الإجرام، وأصبحت ثقافة العنف سلوكاً عادياً.
وسجل عدد من المحافظات اليمنية، لا سيما الشمالية منها، جرائم شبه يومية، داخل العائلة الواحدة، إذ يمكن أن تتطوّر الخلافات البسيطة حول قضايا الإرث أو فسخ خطوبة أو انفصال بين زوج وزوجته، أو خلاف حول الأبناء، أو عجز الزوج عن تلبية أحد طلبات زوجته، مثلاً، إلى استعمال السلاح والإقدام على سفك الدم.
وفي أحدث جرائم القتل العائلية، سجّلت منطقة الجفينة جنوب غربي مأرب جريمة جديدة، إذ أقدمت سيدة يمنية على طعن ضرتها في أحد مخيمات النزوح إثر خلاف بينهما.
وذكرت مصادر محلية أن المجني عليها، أصيبت بجروح بليغة، ونُقلت إلى المستشفى ووُصفت حالتها بالخطرة.
تقتل زوجها بطريقة مريعة
وفي منطقة الحداء شمال شرق ذمار، وسط اليمن، أقدمت امرأة في السادس من أيار (مايو) المنصرم على قتل زوجها بطريقة مروّعة، وذكرت شرطة المديرية "أن مريم ناصر علي عاطف كليب (25 عاماً)، قتلت زوجها بدر محمد صالح عاطف (25 عاما) بطعنات من سكين في أنحاء جسمه".
وأضافت الشرطة: "بعد ذلك قامت الزوجة بذبح زوجها، بعدما فارق الحياة والتمثيل بجثته، وتقطيع الأطراف ووضعها في تنور ترابي، لإحراقها".
وبحسب "الإعلام الأمني" التابع للميليشيات الحوثية المسيطرة على المحافظة، فإن الزوجة قامت بعد ارتكاب جريمتها بمحاولة الانتحار من خلال شرب جرعات كبيرة من مبيد حشري سام، ونقلت فوراً إلى العناية المركزة في أحد مستشفيات المدينة.
ولم تذكر المصادر السبب الذي دفعها للإقدام على ارتكاب جريمتها البشعة.
يقتل نجله بفأس
وفي محافظة ذمار أيضاً، أقدم أب على قتل نجله البالغ من العمر (25 عاماً) بفأس في رقبته، بسبب خلاف على مبلغ ألفي ريال (أقل من 4 دولارات) في مدينة الشرق، غرب مدينة ذمار، ومنع الأهالي من إسعافه وتركه ينزف حتى فارق الحياة.
وطالب يمنيون الجهات المختصة بالقبض على القاتل، وإنزال أقسى العقوبات بحقه.
قتل زوجته وجنينها
وفي محافظة حجة، أقدم شخص في مديرية أفلح على قتل زوجته الحامل في شهرها الأخير وجنينها بقنبلة يدوية، إثر مطالبتها إياه بإيصالها إلى بيت أهلها، بسبب سوء المعاملة وأخذه حليّها وبيعها، وتوفيت الزوجة على الفور متأثرة بإصاباتها بشظايا القنبلة، فيما توفي الجنين بعدها بدقائق.
قتلت والدتها بطريقة وحشيّة
وفي واحدة من أبشع جرائم القتل الأسرية وأكثرها وحشية، أقدمت فتاة في محافظة إب على توجيه طعنات قاتلة لوالدتها بآلة حادة داخل منزلهما حتى فارقت الحياة، ثم قامت بنزع عينيها وتهشيم رأسها وأضلاع صدرها بحجر كبير.
وبحسب المصادر، فإن الفتاة مرتكبة الجريمة تعاني مرضاً نفسياً، وسبق أن استدعت أسرتها طبيبة قبل ارتكابها الجريمة بأيام لمعاينة حالتها ونصحتها الطبيبة بتقييدها تحاشياً لأي مخاطر، لكن أسرتها تعاملت بالعاطفة ولم تعمل بنصائح الطبيبة المختصة.
وتعد محافظة إب الأولى بين كل المحافظات اليمنية في جرائم العنف الأسري.
قتل أباه
كذلك قُتل شخص على يد نجله بعد خلافات بينهما، الوالد أقدم على سجن ولده في أحد سجون مديرية مذيخرة في محافظة إب، كونه عاقاً لوالديه وكثير الشجار مع الجيران، غير أن توسط جد الجاني وجدته لدى الأب نجح في إطلاق سراحه من السجن؛ لكن بعد خروجه بأيام قتل والده عقب صلاة الجمعة.
وقبلها بيوم أقدم شخص يُدعى "ف، ج"، على قتل شقيقه “ن” بعزلة الحيث بمديرية بعدان شرقي المحافظة.
يقتل أسرته كاملة بسبب "القات"
وفي محافظة عمران، شمال اليمن، قُتل أب ونجله وأصيبت زوجته على يد نجلهم الأصغر، بسبب شجرة "القات".
وأفادت مصادر محلية بأن "ص. ب"، العمودي، من سكان عزلة ذوغيثان في مديرية القفلة شمال محافظة عمران، أقدم على قتل والده وشقيقه وجرح والدته وشقيقته بعدما أطلق النار عليهم من سلاحه "الكلاشنيكوف" الشخصي، واتضح أن دافع الجريمة شجار بينه وبين أخيه الأصغر على قطف شجرة "القات" من دون إذن منه، وأثناء هروب أخيه للاختباء خلف والدهم باشرهم الجاني بإطلاق الرصاص عليهما فقتلهما معاً لتهرع والدته وشقيقته بعد سماع إطلاق الرصاص فباشرهما أيضاً وأصابهما إصابات متوسطة نقلتا بعدها إلى المستشفى.
قتل ابنته وزوجته وأصاب والده وانتحر!
وأردى رجل زوجته وطفلته بالرصاص قبل أن يقتل نفسه في مديرية عذر شمال محافظة عمران، شمالي صنعاء في التاسع عشر من أيار (مايو) الماضي.
وأشارت مصادر محلية إلى أن مواطناً يدعى "يوسف عرار" (35 عاما)، أحد أبناء قرية السكيبات في مديرية عذر، أطلق النار من سلاح آلي على زوجته وابنته ووالده، ثم أطلق النار على نفسه على الفور ليسقط قتيلاً بجوارهم، فيما أسعف والده إلى أحد المستشفيات.
وكان عرار يعاني حالة نفسية، نتيجة تردي وضعه المعيشي وانعدام مصادر الدخل اليومي وعجزه عن إعالة أسرته، إذ سبق له أن شكا لجيرانه سوء ظروفه المادية.
ثلاث جرائم في يوم واحد
وشهد يوم 21 أيار الماضي ثلاث جرائم قتل عائلية في محافظتي حجة وذمار، حيث أقدم "ع. ق" المقري على قتل طفلته الرضيعة (عام ونصف) تعذيباً في منطقة حجور في مديرية كشر في محافظة حجة شمال غربي اليمن وعمد إلى تهشيم رأسها قبل القيام بإحراق جثتها.
وفي حجة أيضاً قُتل طفل على يد شقيقه بدم بارد، في مديرية بني قيس، وذكرت مصادر محلية أن "ع. أ" الشمري أقدم على قتل أخيه الطفل، بدم بارد في ظروف غامضة.
وفي اليوم ذاته، أقدم مريض نفسي على تفجير أسطوانة غاز، داخل منزله في مدينة ذمار جنوب صنعاء، وأسفر الانفجار الذي وقع في حارة غزة في مدينة ذمار، عن مقتل الجاني وشخص آخر، وإصابة أربعة آخرين بينهم طفلان.
ووقعت الحادثة عقب مشادة كلامية بين الجاني وزوجته إثر خلافات سابقة، غادرت على إثرها الزوجة قبل وقوع الحادثة.
خلاف على الميراث يودي بأربعة أشخاص
وفي الثامن من أيار المنصرم أطلق شخص يدعى "م. ق. ن" العسكري، النار على ستة من أفراد أسرته في مديرية جبل رأس جنوب شرقي الحديدة، مودياً بأربعة منهم، فيما أصيب اثنان آخران حسبما أفادت مصادر محلية. وأوضحت المصادر أن إطلاق النار تسبب بمقتل شقيقه، وابن شقيقه، وبنت شقيقه، وطفل من أفراد أسرته، إضافة إلى إصابة اثنين آخرين بينهم امرأة، وتبين أن الحادثة جرت أثناء جلسة عائلية نتيجة خلاف على تقاسم الميراث بينهم.
وخلال العامين الماضيين، سجلت مئات جرائم القتل المتنوعة ما بين ارتكاب آباء جرائم تعذيب تفضي إلى الموت بحق أطفالهم بسبب خلافات مع زوجاتهم، وجرائم أمهات بحق أطفال بعمر الزهور، وأبناء يقتلون آباءهم وأقاربهم، دوافع بعضها خلافات حادة بسبب الميراث، وأخرى لحاجتهم للمال.
قتل أباه وزوجته وشقيقه
وفي 12 أيار الماضي أقدم شاب على قتل أبيه وزوجته وشقيقه الأكبر ، وذكرت مصادر محلية أن شاباً قتل والده (ع. زهرة)، وزوجة والده، وشقيقه بالرصاص.
وتضاربت الأنباء بشأن دوافع الجريمة، ففيما ذكرت مصادر أن سببها عودة الجاني من إحدى الدورات الطائفية لجماعة الحوثي باليمن، تحدثت مصادر أخرى عن خلافات أسرية جراء تقسيم الميراث.
ضرب طفلته حتى الموت
وفي الثاني من نيسان (أبريل) المنصرم، توفيت طفلة في السابعة من العمر، إثر تعرضها لضرب مبرح من والدها في حافظة إب.
وأفادت مصادر محلية أن "ع. م. خ" الحطامي، من أبناء قرية الغراب منطقة السحول شمال إب، أقدم على ضرب طفلته ذات السبعة أعوام حتى فارقت الحياة.
شنق زوجته الحامل
وفي الثامن من نيسان (أبريل) المنصرم، أقدم مواطن في محافظة عمران على شنق زوجته الحامل حتى فارقت الحياة من دون أسباب تذكر.
وقالت مصادر محلية إن "ع. ح. ص" خموسة شنق زوجته الحامل في منزله الكائن في منطقة سواد العصيمات في مديرية العشة ثم لاذ الفرار.
تصفية أسرة كاملة
ومطلع شباط (فبراير) الماضي، شهدت محافظة ذمار جريمة راحت ضحيتها أسرة كاملة، حيث أقدم شخص يدعى "ج. ك" في مديرية معبر على قتل أسرته المؤلفة من 6 أفراد، وهم والدته وزوجته وأولاده الأربعة، وقبل هذه الجريمة بأسابيع كانت جريمة أخرى مماثلة قد حدثت في محافظة صنعاء، حيث أقدم شخص يدعى "ع" القايفي، على قتل والدته وإحدى شقيقاته رمياً بالرصاص، وإصابة شقيقه.
18 حالة قتل خلال أربعة أشهر
لا تتوفر حتى اليوم إحصائيات دقيقة وموثقة لجرائم القتل الأسري في اليمن، لا لجهات رسمية ولا خاصة، غير أن تقارير محلية تفيد باستقبال أجهزة القضاء في صنعاء 18 حالة قتل أقارب خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري.
وتشير البيانات المتوفرة من خلال ملفات الأمن والقضاء، إلى أن عام 2020 شهد وقوع أكثر من 115 جريمة قتل ضد أقارب، وأكثر من 50 بلاغاً بالشروع في القتل، في 11 محافظة واقعة تحت سيطرة الحوثيين، أسفرت عن أكثر من 130 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً، وكان عام 2021 قد شهد سقوط أكثر من 180 قتيلاً، ولا تقديرات لعدد الجرحى.
أكثر من 16 ألف جريمة
ووفقاً لإحصائية رسمية صدرت سابقاً عن وزارة الداخلية في صنعاء بالجريمة عموماً، فقد شهدت المحافظات الشمالية خلال عام 2021 أكثر من 16 ألف جريمة، وسجلت الوزارة نحو 8 آلاف جريمة خلال النصف الأول من العام ذاته، تتنوع ما بين القتل العمد وجرائم أسرية وجنائية وجرائم جسيمة، وجرائم سرقات متنوعة.
ووفق إحصائيات حقوقية، فقد تصدرت محافظة إب النسبة الأعلى في تزايد جرائم القتل الأسرية والجنائية المختلفة، تليها أمانة العاصمة صنعاء ثانياً، وعمران ثالثاً، والمحويت رابعاً، وذمار خامساً، وريمة سادساً.
وبحسب موقع “ترافل ريسك ماب“ صُنفت اليمن واحدة من بين خمس دول عربية أكثر خطورة من الناحية الأمنية لعام 2022، وضمن أخطر 15 دولة في العالم، ويعتمد التصنيف على معلومات الإرهاب وحركات التمرد والاضطرابات ذات دافع سياسي، والحروب والاضطرابات الاجتماعية، بما في ذلك العنف الطائفي والعرقي والجرائم الأخرى.
وسجلت معدلات الجرائم الأسرية ارتفاعاً ملحوظاً، خصوصاً في ظل استمرار الحرب وانتشار تعاطي الممنوعات.
الأسباب والدوافع
يرفض أستاذ علم النفس في جامعة تعز الدكتور صادق الشميري في حديث إلى "النهار العربي" وصف الجرائم بالظاهرة، كون ذلك يحتاج إلى دراسة مسحية لعدد كبير من السنوات، والاطلاع على إحصائيات من الجهات المختصة للمقارنة والحكم، هل هناك انتشار أم أن معدل الجريمة في هذا الإطار بنسبة ثابتة أو متقاربة جداً؟
وبحسب الشميري، فإن الاعتماد على ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي حول قضايا القتل الأسري، لا يمكن اعتماده كمؤشر إلى انتشار هذا النوع من الجرائم.
وعن سبب ارتكاب جرائم القتل الأسري، يوضح الشميري أن لكل جريمة خصوصيتها، إلا أنه يؤكد أن الحرب التي تطحن البلد وانتشار السلاح والوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطنون، ولّدت آثاراً نفسيه وسلوكية ووضعاً اقتصادياً متدنياً، أدى إلى آثار نفسية وسلوكية كلها يمكن أن تكون سبباً، لكنها ليست كل الأسباب، لأن هناك أسباباً خاصة لكل جريمة.
وعما إذا كانت الأسباب الفسيولوجية تسهم في جانب من تلك الجرائم يقول الشميري: "النظرية الفسيولوجية تفسر الجريمة من خلال تأثير إفراز الغدد الصماء على سلوك الفرد وتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة".
ضغوط الحياة والإحباط
ويشير الشميري إلى أن الضغوط الحياتية تمثل سبباً للجريمة، وهذا لا شك فيه، لكنها لا تعد السبب الوحيد لارتكابها.
ويوضح: "لو قلنا ذلك لقتل 90% من أفراد المجتمع أنفسهم، لكن الضغوط الحياتية عندما تزداد قد تصل بالفرد إلى حالة الاكتئاب الشديد والنظرة السوداوية للماضي والحاضر والمستقبل، لدرجة أنه يقتل نفسه وليس فقط أفراد أسرته، فهو يقتلهم استشعاراً منه بوضعهم البائس الذي يصوّره له تفكيره، معتقداً أنه بذلك يرحمهم من حياة العذاب التي يعيشونها".
ويشرح أن الإحباط واليأس مشاعر وعوامل مهمة في نشأة الاكتئاب الشديد، وعوامل تؤدي إلى انتشار قلق المستقبل، ولا يمكن استبعادها كأسباب في بعض الجرائم، كما أننا لا نغفل أن كل مجرم يعاني اضطراباً سلوكياً وجدانياً، وبالتالي فإن العوامل السابقة كلها تؤدي لهذا الاضطراب.
انهيار قيمي وأخلاقي واجتماعي
ولا يرى الشميري أن انتشار الجريمة مؤشر إلى انهيار المجتمع ثقافياً، بل هي مؤشر واضح إلى الانهيار الأخلاقي والقيمي والإنساني والاجتماعي.
وعن علاقة تلك الجرائم بانتشار الممنوعات وتعاطيها يقول الشميري: "في مجال علم النفس الجنائي، هناك دراسات علمية أثبتت وجود علاقة ارتباطية طردية بين انتشار الجريمة وانتشار استخدام المخدرات والممنوعات، فكلما زاد انتشار استخدام المخدرات والممنوعات زاد انتشار الجريمة، لأن طبيعة مواد المخدرات أنها تفقد الإنسان اتّزانه العقلي والانفعالي، ما يؤثر على سلوكه سلبياً فيصبح أكثر عنفاً وأكثر احتمالية لارتكابه الجريمة".
ويضيف: "وفي ظل توسع انتشار تعاطي الكحول والحشيش والحبوب والمخدرات ومادة الشبو التي انتشرت انتشاراً كبيراً، فإن ذلك سيترك آثاراً سلبية تلقي بظلالها مستقبلاً على المجتمع"، داعياً وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والمساجد إلى القيام بدورها في التوعية بمخاطر انتشار العنف والجريمة، وأثر ذلك في منظومة القيم والأخلاق.