"إذا لم أستطع أن أسجلكم يوم السبت في المدرسة فاعتبروني شهيدا"، كانت هذه عبارات الوداع، التي كتبها معلم في محافظة ذمار يُدعى "عمار القراضي" لأولاده، قبل أن يقبل على الانتحار؛ لعجزه عن تسجيلهم في المدرسة. المعلم "عمار حيدر القراضي" واحد من عشرات الضحايا من مختلف الأعمار، ممن تسببت الحرب لهم بمآسٍ نفسية ومادية فاختاروا الانتحار كنهاية لمآسيهم. انتشار ظاهرة الانتحار؛ جراء انعدام سبل الرزق، ووصول المستوى المعيشي إلى مستوى قياسي في الغلاء، وانعدام مصادر العيش، خصوصا مع استمرار مليشيا الحوثي بقطع رواتب الموظفين، وما نشهده اليوم من حالة إضراب المعلمين كشكل من أشكال المطالبة بالحقوق.
- الدوافع والأسباب
يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز، الدكتور محمود البكاري، : "إن ظاهرة الانتحار دخيلة على المجتمع اليمني، وهي نتاج لظروف وعوامل قاهرة تفرض على الإنسان أن يلجأ إليها". وأوضح الدكتور البكاري: "على الرغم من أن ظاهرة الانتحار هي ظاهرة تسود معظم المجتمعات الإنسانية، إلا أنها تختلف من حيث الدوافع والأسباب، فيمكن أن تكون هذه الظاهرة في بعض المجتمعات نتيجة للترف والغناء الفاحش، لكن ما هو أكثر إيلاما أن يكون الانتحار نتيجة البؤس والفقر والحرمان والعوز والحاجة". وأضاف: "انتشار ظاهرة الانتحار في مجتمعنا اليمني يأتي نتيجة عدم توفر سبل العيش، وعدم قدرة الآباء وأرباب الأسر على توفير احتياجاتهم، وتأمين المتطلبات المعيشية لأسرهم". وشدد البكاري على "ضرورة أن تقف الدولة والمجتمع بجدية أمام هذه الظاهرة حتى لا تتفاقم وتتوسع، وينتج عنها أوضاع كارثية". وتابع: "البعض يطرح أن الانتحار منهي عنه شرعا، لكن في المقابل نقول إن هناك معالجات وإجراءات يجب أن تتخذ، وألا نكتفي بالقول إنها ظاهرة منهي عنها شرعا". وأشار أستاذ علم الاجتماع في جامعة تعز إلى أن "زيادة معدلات الفقر والبطالة والعوز تؤدي إلى تفشي ظاهرة الانتحار، وأصبحت كما يقال بأن آخر العلاج العلاج الكي". واستطرد: "مسألة صرف الراتب من عدم صرفه أصبحت متساوية؛ كون هذا الراتب لم يعد يلبي احتياجات الأسرة، والذي يفترض أنه يلبي كافة الاحتياجات الأساسية للأسرة، ونصف الكماليات، وهذا هو المعيار الأساسي للراتب، ما لم يلبِّ ذلك فهو عبارة عن مساعدة مقطوعة، وليس راتبا".
- تضييق المليشيا
يقول رئيس مركز البلاد للدراسات، حسين الصوفي: "إن ظاهرة الانتحار تأتي نتيحة تراكمات للوضع الذي يعيشه اليمنيون، فمنذ تسع سنوات والبلد يعيش احتلالا يختلف عن أي احتلال في العالم، فهناك أحيانا ما تسمى بسلطة الأمر الواقع تقوم بواجباتها، وهي أيضا ملزمة ببعض الحقوق والواجبات، التي يفرضها القانون الدولي والقوانين التي تشرعن الاحتلالات". وأوضح حسين الصوفي أن "مليشيا الحوثي هي التي وقفت أمام اليمنيين، ومنذ تسع سنوات وهي تمنع عنهم المرتبات، وتقوم بمحاصرتهم، وابتدعت في السنة أكثر من 15 مناسبة، وتفرض عليهم الجبايات، وتلاحقهم في أرزاقهم، وتضيق عليهم الخناق". وأضاف: "الإقدام على الانتحار هو نوع من الضعف، وهذا الضعف لا يجب أن يكون لدى الضحايا، فهم يعرفون من هو غريمهم، ومن الذي يحاصرهم وينهب أموالهم ومرتباتهم، فعليهم أن يتجهوا نحوه بما أنهم لم يعودوا يخافون الموت". وأشار إلى أن "حادثة التدافع، التي حدثت في صنعاء في عيد الفطر، هي نوع من أنواع الانتحار، فعندما يقدم شخص على الوقوف في طابور، ويموت اختناقا أو تدافعا في سبيل الحصول على 50 دولارا، يعد انتحارا، نتيجة التضييق الذي تمارسه مليشيا الحوثي على الناس بأرزاقهم". وذكر الصوفي "تقارير الأمم المتحدة وصفت الحوثيين بأنهم يقومون بسرقة الطعام من أفواه الجائعين". وتابع: "يجب أن يكون هناك وعي لدى اليمنيين في كل المحافظات، أننا أمام عصابات تقطع المرتبات، وتجبر اليمنيين على دفع رسوم المدارس، ودفع الجبايات، والاحتفال بمناسباتها وأنشطتها الطائفية العنصرية، حتى أوصلت الناس إلى هذه الحالة". وأردف: "الحروب دائما تنتج آثارا نفسية واقتصادية وصحية لدى المواطنين، ويصل تأثيرها إلى الحوادث المرورية، حيث يقول الكثير من المختصين إن الحوادث المرورية وسرعة الناس في الطرقات هي نتيجة الضغط الذي يعيشونه". وبيّن: "المجتمع اليمني بشكل عام يعيش حالة من الضغط، ودائما ما نتحدث مع الزملاء والناس: كيف تقضي يومك، فأحيانا تخرج الصباح لتشييع جثمان شهيد، وتحزن لفقدانه، وثم تكون مضطرا بعد العصر أن تكون مع عريس وتحتفل وتفرح له، لذا المشاعر أصبحت متداخلة، وهناك الخوف والهلع؛ نتيجة القصف والانفجارات والألغام، وكل ذلك له آثار كارثية على المجتمع بشكل عام". وأكد أن "مليشيا الحوثي هي من تتحمل المسؤولية الأكبر لما يجري لليمنيين جراء الحرب التي أشعلتها، لا سيما وأنها تتعمد إذلال اليمنيين وتجويعهم وتجهيلهم، من خلال سيطرتها وتحكّمها ونهبها للمؤسسات الخيرية والمنظمات والمدارس والجامعات".
المصدر | قناة "بلقيس"