مشكلة اليمن هي أنها ، على خلاف مع تاريخها، أمة تراخى إهتمامها بالدولة بعد أن كانت من أولى الأمم التي أقامت الدولة وشيدت أركانها واستنبطت قواعدها وأحكامها ، فسادت ، حتى أن هذه البقعة من العالم لم تعرف إلابممالك اليمن المتلاحقة ، وما عداها كان مستقطباً في امبراطوريات أجنبية .
ثم جاءت الازمان التي اختزل فيها اليمن إلى مجرد ولاية أو مستعمرة تتبع هذا المركز أو ذاك ، فجرى تدمير الدولة وتقاليدها ، وتم اغتصاب تاريخ عريق كان فيه اليمن دولة ذات بنيان يطاول كبريات الأمم .. وكان أن فقد اليمني علاقته القديمة بالدولة حيث جرى ، وعلى نحو تعسفي ، تفكيك هذه العلاقة بأنماط مشوهة من علاقات التبعية التي ضاعت معها مكونات الشخصية التاريخية القديمة للدولة .
استمر هذا الحال حتى استعاد اليمن قراره بقيام ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين ، وكم هي العقبات التي واجهتها الثورتان في إعادة ترميم العلاقة ببن اليمني والدولة ، تلك العلاقة التي دمرتها قرون من الاستبعاد السياسي لمفهوم الدولة الوطني في حياة اليمنيين .
كان ترميم هذه العلاقة هو في صلب مهام الثورتين ، فقد أدرك الثوار أن الدولة بتقاليدها التاريخية هي الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها حينما يتعلق الامر باستقرار اليمن وبنائه على أسس جديدة وبروح العصر . ولم يكن ذلك ليتحقق بسهولة بسبب ما كرسته القرون من معوقات في البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية المقاومة للدولة .
ولم يكن الصراع الداخلي الذي شهده اليمن عبر مراحل تاريخية مختلفة إلا من أجل بناء الدولة في مواجهة موروث رافض ومقاوم لبناء الدولة.
ظل هذا الموروث يكرس ثقافته في إضعاف الدولة والسخرية منها ، والمؤسف أنه حينما كانت تنتصر الدولة في هذا الصراع فأنها تضل طريقها إلى النموذج الذي يعزز موقف الرافضين لها بسبب الطبيعة الاستبدادية التي تجسدها ، الامر الذي جعل منح هؤلاء زخماً لمواصلة المقاومة حتى اليوم .
مشكلة اليمن هي الموقف من الدولة من قبل اليمنيين ، فإما أن تكون مستبدة ليخفضوا لها جناح الذل حتى تضعف ويثأروا منها ، وإما أن تكون ضعيفة وكل واحد يريد أن ينتزع منها مكاسبه الخاصة . الدولة القوية العادلة هي ما يحتاج له اليمن ، وبدون ذلك لا حديث عن استقرار .
قوية بمعنى أنها تمثل ارادة الناس .
وعادلة بمعنى أنها دولة قانون .