عبدالرب السلامي
عبدالرب السلامي

من طهران إلى صنعاء.. المنطقة بعد سقوط الأسد

مرّ شهر على سقوط نظام الأسد في سوريا، والمنطقة بأكملها تعيش أصداء هذا الحدث، والمتوقع أن تظهر ارتدادات هذا الزلزال في بلدان أخرى. وأكثر البلدان المحتملة هي: إيران واليمن والعراق، وبلدان الربيع العربي.

لمن يعرف خلفية نظام الأسد ومحوريته في منظومة الأمن الإقليمي، سيدرك حجم تداعيات سقوطه على خريطة النفوذ وموازين القوى في المنطقة.

لقد كانت دمشق، في عهد الأسد، بمثابة الحلقة المركزية في المحور الإيراني، وآخر قلاع الفاشية اليسارية التي شيدها السوفييت في البلاد العربية في ستينيات القرن الماضي، ومحور التنسيق الأمني بين الحركات الباطنية العربية وإسرائيل. (راجع المصادر التي كشفت عن علاقة إسرائيل بالخلية النصيرية في حزب البعث، التي قامت بانقلاب عام 1966، وخيانة تسليم الجولان، وخلفيات انقلاب 1970).

من ناحية أخرى، أعاد انتصار الثورة السورية بهذه الدراماتيكية روح الربيع العربي، لكن بأدوات تغيير مختلفة عن جولة عام 2011، كما أعاد الحضور للمشروع الإسلامي السني، لكن هذه المرة بنسخة جديدة جمعت بين البراغماتية السياسية والخلفية السلفية الجهادية.

إننا أمام حدث لا يقل تأثيرًا وعنفوانًا عن: سقوط نظام الشاه عام 1979، وغزو الكويت عام 1991، وسقوط بغداد عام 2003، وربيع عام 2011، وطوفان الأقصى عام 2023.

لقد اختل توازن القوى في المنطقة بشكل كبير. فدخول تركيا كداعم رئيسي لقوى الثورة التي أطاحت بالأسد، عزز نفوذها كقطب إقليمي رابح، في مقابل انهزام حاد للقطب الإيراني، بينما يبدو القطب الثالث؛ إسرائيل مستفيداً آنياً، لكنه قلق استراتيجيًا، فالمخاوف كبيرة في حال استقرار النظام الجديد في دمشق. ولذا، ليس مستغربًا أن تحرص إسرائيل على تقويض انتقال السلطة في دمشق، والتخادم مع إيران باستخدام ورقة الأقليات.

البلدان العربية مستفيدة من سقوط الأسد وتراجع المحور الإيراني، ولذا بادرت لدعم الإدارة الجديدة في دمشق، حتى لا يتفرد السلطان التركي بما يراه إرثا تاريخيا عثمانيا. 

أما إيران، فقد انتهجت سياستي الانكماش وامتصاص الضربة، مع تكريس جهدها على الملف العراقي، والمناورة إلى أقصى حد ممكن بذراعها اليمني جماعة الحوثيين، والسعي إلى صفقة جديدة مع الغرب تُبقي برنامجها النووي. فيما تراهن إسرائيل على عهد ترامب للسير نحو سيناريوهات أكثر تصعيدًا، مثل ضرب البرنامج النووي أو دعم انقلاب لإسقاط النظام.

اليمن من أهم البلدان التي تأثرت بهذه المتغيرات، فالحوثيون باتوا أمام خيارات صعبة: إما الإصرار على مشروع مكلف وغير مضمون بدعم إيراني يواجه تحديات كبيرة، أو التراجع وتقديم تنازلات لصالح الوطن والتصالح مع الجوار العربي، والدخول في خارطة سلام شاملة تُنهي الانقلاب وتعيد الدولة اليمنية إلى مسارها الطبيعي. 

يحتاج الحديث عن اليمن إلى مقال مفصل، وللحديث بقية.