هنا وفي هذا المقام المهيب يقف قلمي حائراً ولساني عاجزاً غير قادر على النطق والتعبير، فماذا عساي ان أقول عن العظماء فهم من يحق للهامات أن تنحني لهم إجلالاً واحتراماً وتعظيماً، خصوصاً اولئك الذين أفنوا حياتهم في النضال والمقاومة والعمل الدؤب بحثا عن الكرامة والحرية والعزة والإستقلال وإستعادة السيادة وصون الوطن، ولأنه أحد أولئك العظماء الذين كرسوا جل حياتهم من أجل الجنوب وصولاً لنيل الحرية وطرد الغزاة والمحتلين، انه الشهيد البطل القائد "يسري الحوشبي" رجل المبادئ والقيم الثابتة والمواقف الوطنية الشجاعة والمشرفة الذي تسبق أفعاله أقواله.
انه الرجل الذي أحبه ابناء الحواشب خاصة والجنوب عامة واستطاع بفضل ذلك الحب والود ان يكون مثالاً للقائد المتفاني والمخلص والوفي فظل النجاح حليفاً له أينما كان.
قائد فذ يحترمه الجميع ويهابه الكل ويعتز ويفتخر به كل من وقعت عليه عيناه أو سمعت به آذناه، وما عرفه إنسان قط إلا وقد أحبه لكل شيء فيه، نعم يحبه الجميع لأنه كان عنواناً للفداء والوفاء والتضحية والصمود والعنفوان والشموخ، كان قائداً مغواراً ورجل دولة بحق وحقيقة، حمل الهم الوطني والعسكري وتحرك بمسؤولية مجسداً معاني الفداء والولاء لتراب هذا الوطن الغالي، انه القائد البطل والمقاوم الجسور الذي خط بقدميه كل ميادين الثورة والنضال وخاض فيها غمرات الموت متجشماً عناء التنقل بين السهول والجبال والصحاري والرمال دفاعاً عن حياض الجنوب.
ستخبرنا حبات الحصى والرمل بانها قد اشتاقت اليك يا "إبا عيدروس"، فهي كما نحن قد تشتاق حباً لك ايها البطل المقدام يا من تعفر وجهه بغبارها وتلحفت قسمات جبينه بسمرة ترابها وهو يحارب من اجل عزة وكرامة الجنوب، هنا حتماً ستتحدث جميعها لا محالة عن امجادك وتأريخك الحافل بالمكاسب والمنجزات والإنتصارات العظيمة ايها المغوار.
انت يا من عشقت الجنوب وثراه وشعبه فقد عشت مكرساً كل حياتك للدفاع عن ذلك الحق، فمنذ نعومة أظافرك وريعان شبابك لم تتخلف قط عن إرتباطك بحمى هذه الأرض الطاهرة، انت يا من تلألأ نجمه عالياً في السماء وازداد تألقاً وسطوعاً في زمن تخافتت فيه الأصوات النشاز ولم تتبقى إلا صيحات الصناديد والعظماء، انت وحدك من برز وتحرك في هذا المضمار منذ البداية مقاوماً للظلم ومقارعاً للطغيان أملاً في التحرر والخلاص من عنجهية الظالمين والبغاة، كنت صادقاً وان تحمل بين حناياك روحاً وثابة وتواقه للحرية والإنعتاق، حملت مشروع الحرية والإستقلال في وجدانك وفي عاتقك تحملت مسؤولية الإنتصار للجنوب أرضاً وإنساناً، لقد انطلقت في ميادين الثورة والنضال منذ وقت مبكر باذلاً في سبيل ذلك النفس والمال فكنت بين اوساط زملائك المقاومين الأبطال متواضعاً تتصف بالحلم والعلم والحكمة والشجاعة والكرم والأخلاق العالية والأحسان فكنت نبراساً تضيء لهم الدروب.
مهما كتبت الأقلام وسال مدادها فإنها لن تستطيع ان تفيك بعضاً من حقك، وستظل عاجزة خجولة اسيرة مكبلة لا تستطيع ان تخط بريشها لتكتب عنك ايها القائد العظيم بل تنحني خجلاً وكسوفاً في محراب تضحياتك الجسيمة، انني أحببت أن أبوح بما لدي امتناناً وتخليداً لروحك الطاهرة، فهذه الأسطر المتواضعة التي اكتبها هي تعبير للوفاء، فالعهد باق والمشوار طويل ونحن في الركب لن نحيد او نميل واننا ماضون في هذا الدرب لن نتزحزح قيد انمله في إكمال المسير حتى يتحقق النصر للجنوب، فنم قرير العين يا من عشت حياتك وارتقيت إلى العليا ثابتاً غير متزحزح على المبادئ والقيم الثورية المثلى مدافعاً عن الوطن وعن شعب الجنوب الجريح والمظلوم، انت من جسد أروع أمثلة التضحية والفداء التي اثبتت عدالة القضية الجنوبية، فالعهد كل العهد لك أيها القائد الهمام منا ومن شعب الجنوب العظيم باننا لن نحيد عن الطريق الذي سرت عليه ولن ننساك أبد الدهر فذكراك العطرة ستظل باقية تفوح في ردهات حياتنا لانك قد سجلت وجودك في دنيانا بأحرف من نور وفي انصع صفحات سجل الخالدين.
في حضرة مقامك المهيب ايها الشهيد البطل الثائر تتبعثر حروف الرثاء وتتجزأ الكلمات، فلا تكاد تكتمل الجملة حتى تبدو لقارئها غير مفيدة، وما تكاد تكتمل العبارة حتى نضطر الى إعادة تسطيرها من جديد، ماذا عسانا ان نقول ونحن نعيش هول الفاجعة وصداها المؤلم صابرين محتسبين، وما عسانا ان ننطق وقد ارتفعت الى مصاف الخالدين، لا ندري أنحزن لفقدانك ولحجم ما تركت خلفك من فراغ سيظل شاغر لدهور من الزمن، أم نفرح لعلو ذلك المقام العظيم الذي وصلت إليه، اننا نشهد بانك قد رسخت طيلة حياتك روح الإباء والشجاعة والوطنية وعقلية القيادة المثالية في كل تعاملاتك واتصفت بكل سجايا النبل والإقدام، فقد كنت تفيض عزماً وصلابة في ميادين النضال والتحدي والإباء، وكنت اصيلاً تتجلى فيك كل خصال الكرم وآيات السماحة والشكيمة والجود في ساحات التراحم من جهة، وصفات الرجولة والنخوة والغيرة والشجاعة في ساحات الردئ من جهة أخرى، انت من اجترحت المآثر البطولية وسطرت اعظم الملاحم في جبهات العزة والكرامة دفاعاً عن حياض الجنوب، لقد كنت وحدك جبهة معنوية وقتالية بحد ذاتها يستمد منها مغاوير الرجال من ابطال القوات المسلحة والمقاومة في مختلف المواقع نفح الصمود والإستبسال والثبات في مواجهة مشاريع الظلم والتغطرس، لم تتخلف يوماً عن إجابة داعي الحق الجنوبي في كل حين، لقد كنت مسارعاً دوماً لتلبية نداء المقاومة والجهاد، حملت نعشك على أكفيك عدة مرات منذ العام 2015م متنقلاً في رحى ساحات الشرف وميادين البطولة، كنت دوماً سباقاً في مضمار التضحية من أجل الجنوب، ستفتقدك جبهات هذا الوطن العزيز وخنادقه ومتارس صناديده الأوفياء التي طالما زرتها وخضبت ترابها بطائك الجزيل غير آبهاً بالمخاطر المحدقة في سبيل الجنوب.
"أبا عيدروس" لقد كفيت ووفيت ولم يبقى شيئاً إلا وقدمته في سبيل عزة وكرامة هذا الوطن، حتى حياتك وروحك ودمك ارخصته من أجل الجنوب، لقد ترجلت عن الدنيا مجسداً أعظم معاني وآيات النبل والإخلاص لهذا الوطن، "أبا عيدروس" لقد وهبت نفسك رخيصة في سبيل مبادئك وقيمك الوطنية والعسكرية والثورية التي اقسمت في حياتك ان تناضل لأجلها فلم تقصر ايها القائد الشهيد في أداء واجبك الوطني بل ضربت أروع مثل الفداء والتضحية في سبيل الجنوب وآثرت الفناء على لكي ينعم شعبك بالأمن والرخاء.