بناء على ما ذُكر في الحلقة السابقة فقد مثل انتهاء الحرب الباردة هزيمة قاسية للحزب الاشتراكي ونصرا واضحا للمؤتمر الشعبي العام، كان من آثارها اعتراف الاشتراكي بالهزيمة، وحزم حقائبه إلى صنعاء بحثا عن قارب النجاة.
لقد كان منطق المؤتمر الشعبي العام يقتضي أن ينضم الاشتراكيون إلى المؤتمر ، شأنهم شأن الإسلاميين والقوميين، لكن الذي حصل وبسبب التطورات المتسارعة، والانفعالات غير الاستراتيجية، أن المؤتمر الشعبي خسر منطقه، وحصل فيه نزيف شديد.
كانت القوى التي تشكل المؤتمر هي القوى التالية: الإسلاميون القوميون الوطنيون النفعيون إماميون متسترون.
والذي حصل بعد الوحدة وبسبب التوجه الديمقراطي التعددي أن الإسلاميين خرجوا من المؤتمر، وشكلوا تجمع الإصلاح، وبقيت منهم مجموعة نفعية فضلت البقاء في المؤتمر، وربما بقيت منهم بقية لأغراض وطنية.
وخرج القوميون أيضا، وتوزعوا على ستة أحزاب: حزبين بعثيين، وأربعة أحزاب ناصرية، وشأنهم شأن الإسلاميين بقيت منهم عناصر نفعية، فضلت البقاء داخل المؤتمر، وربما اقتنع بعضهم بالبقاء لأغراض وطنية بعد ذبول المد القومي، ولا سيما الناصري.
ولم ينسحب الإماميون المتسترون، بل عززوا وجودهم داخل المؤتمر، وعملوا على سد الفراغ الذي تركه الإسلاميون لأغراض استراتيجية إمامية، مع وجود حزب يمثلهم خارج المؤتمر، وهو حزب الحق، ووجود قوى منهم تغلغلت في الأحزاب الأخرى، ولا سيما الحزب الاشتراكي، ووجود قوى راديكالية فضلت الرحيل إلى إيران.
وظل الوطنيون والنفعيون داخل المؤتمر ليشكلوا جسمه في الفترة من قيام الوحدة إلى حرب 1994م، وهي مرحلة مستقلة، يمكن تسميتها بالمرحلة الثانية.
هذه المرحلة شهدت خلافا أمريكيا سعوديا واضحا بشأن اليمن، فبينما كانت السعودية تدعم الحزب الاشتراكي للتراجع عن الوحدة، كانت أمريكا تدعم المضي في الوحدة لقطع الطريق عن بريطانيا للعودة إلى عدن، وهو الأمر الذي تبناه المؤتمر وبقية القوى اليمنية ما عدا الإماميين، واقتنعت به السعودية كامر واقع من جهة، وإداكها للأطماع البريطانية من جهة أخرى.
الفترة الممتدة منذ حرب 94 إلى ثورة فبراير 2011م تمثل مرحلة ثالثة في تاريخ المؤتمر، أهم ما حصل فيها هو التضييق على الوطنيين لصالح النفعيين الذين ازدادت أعدادهم، حتى تحول حزب المؤتمر من حزب الوطن إلى حزب الرئيس، وصار يعمل على تأسيس مملكة الصالح برعاية أمريكية سعودية، مقابل امتيازات نفعية يتلقاها أعضاؤه على حساب تنمية الوطن، وبهذا صار الفساد والإقصاء ميزتين من ميزات هذا الحزب في هذه المرحلة.
أمر آخر له أهميته في تاريخ المؤتمر في هذه المرحلة، وهو زيادة تغلغل الإماميين داخله، والتفافهم حول الرئيس لأغراض في نفوسهم.
ولهذا السبب كانت المفاجأة أن من تداعيات ثورة الشباب أن اكتشف السعوديون أن الرئيس كان متشظيا بينهم وبين الإماميين، وأنه كان يلعب معهم لعبة الرقص على رؤوس الثعابين، فلم تكن هذه اللعبة محلية فقط، بل كانت أيضا خارجية، وبهذا الكشف وصلت اللعبة إلى مرحلة موت الرئيس، وربما تكشف الأيام أشياء جديدة حول اطلاع الأمريكان على تفاصيل اللعبة مسبقا دون علم السعوديين.
قبل موت الرئيس، ومع ثورة الشباب، كان الحزب قد دخل مرحلة جديدة، وهي مرحلة تشظي عنيف، ونزيف حاد نتيجة التنازع بين الوطنيين والإماميين وانشطار ذات النفعيين بينهما، والله العالم إلى أين يتجه هذا الحزب الذي لا زال الحزب المفضل للقوى الخارجية التي تدير شأن اليمن، ولا تزال فكرته السابقة التي نشأ حولها قبل الوحدة، وبنى فيها الوطن في فرعه الشمالي تراود كثيرا من عناصر الأحزاب السياسية التي كانت منضوية تحته. عارف عبد 25-8-2020م