من أراد أن يعرف نظام الحكم العثماني في اليمن من جهة أكاديمية محايدة بعيدة عن الشحن الإعلامي فليقرأ هذه الرسالة العلمية التي تقدم بها الباحث تركي بن حميدان الصالح الحميدان لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي الحديث إلى قسم التاريخ في كلية العلوم الاجتماعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
تتميز هذه الرسالة بأن كاتبها متمكن علميا وصاحب قلم أكاديمي جذاب، وقد نوفشت سنة 1989م أي قبل ظهور حالة الفوبيا الحالية التي يعاني منها عدد من الكتاب العرب جراء النهضة التركية الحالية التي تعد ملهمة للشعوب العربية.
تتميز الرسالة أيضا أنها صدرت من جامعة منهجها في كتابة التاريخ كان متحررا من منهج الرؤية الغربية التي كانت تتحامل على التاريخ العثماني، وليس في الرسالة أي انحياز للعثمانيين، بل ذكرت ما لهم وما عليهم.
ومن خلال قراءة أكثر فصول الرسالة لاحظت الملاحظات التالية:
1- إن نظام الحكم العثماني بشكل عام في اليمن وغيرها ينتمي إلى النظام الملكي، يعني إلى المرحلة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بمرحلة الملك العضوض والجبري، والتي أخبرنا أنها تأتي بين حكمين رشيدين، وقد رأينا هذا النظام الملكي في تاريخنا الإسلامي ممتدا منذ دولة بني أمية، ولم تكن دولة بني عثمان إلا امتدادا لهذا النظام.
2- إن نظام الحكم العثماني - على الرغم من عدم التزامه بأصول الحكم الإسلامي الرشيد شأنه شأن الدول الإسلامية الملكية التي سبقته- كان ذا عاطفة إسلامية جياشة، فالإسلام هو عقيدة الدولة السياسية والعسكرية والإدارية.
3- إن نظام الحكم العثماني مقارنة ببقية الأنظمة التي سبقته وعاصرته (وكلها انظمة ملكية بالطبع مسلمها وكافرها وذلك قبل ظهور الدولة الحديثة) كان نظاما متطورا نسبة إليها، فقد كان نظاما يفصل بين السلطات، ويجعل السلطة ثلاثية الأبعاد، فعندما يدخل العثمانيون بلدا يعين السلطان ثلاثة مسؤولين أمامه لا سلطة لأحدهم على صاحبيه، وهم:
أ- الوالي، ومهمته إدارة البلد وقيادة القوات المسلحة فيه، وبهذا يكون نظام الإدارة عسكريا. ب- قاضي القضاة، ومهمته رئاسة القضاة، ومراقبة العدالة، والحكم في المظالم، بما فيها مظالم الوالي وأمرائه المحليين من الألوية وأتباعهم.
ج- الدفتريار: وهو مسؤول المال، فنظام الحكم العثماني يقوم على فصل المال عن الوالي، فليس الدفتريار مسؤولا أمامه، وإنما أمام السلطان، ويرفع تقريره السنوي إلى الباب العالي في أسطنبول ولا علاقة للوالي به.
4- إن مجيء العثمانيين إلى اليمن وغيرها من بلاد العرب لم يكن لأغراض إمبريالية مثل أغراض المستعمرين الغربيين، وإنما من باب القيام بالمسؤولية في الدفاع عن بلاد المسلمين أمام الغزو الصليبي، وبالطبع توسيع نفوذ الدولة العثمانية وضم جميع المسلمين تحت حكمها باعتبار أنها امتداد لدول الخلافة السابقة لها.
4- إن تنفيذ السياسة العثمانية في بلد ما يعتمد على صلاح الوالي أو فساده، ففي اليمن مثلا حين يكون الوالي صالحا أو كفؤا مثل مصفى النشار باشا وفرهاد باشا ومصطفى شاهين باشا وحسن باشا وجعفر باشا ومحمد باشا وأحمد فضلي باشا فإن الأمور كانت تستقر وحين يكون فاسدا أو ظالما مثل محمود باشا وأويس باشا أو يشعر بالحنق من اسطنبول مثل رضوان باشا أو غير كفؤ مثل حيدر باشا فإن الأمور تضطرب، ويقاومها اليمنيون.
5- النظر إلى الوالي العثماني باعتبارين: الأول: باعتباره حاكما إداريا مدنيا، وبهذا الاعتبار لاحظنا أن عصر العثمانيين في اليمن شهد تنمية حضارية تختلف بحسب إخلاص الوالي وأمانته، فحينما يكون مخلصا أمينا تزدهر التنمية، وحينما يكون فاسدا ظالما تتراجع التنمية.
والاعتبار الثاني: باعتباره قائدا عسكريا، يقود الجيش في الجبهات، سواء الجبهة ضد البرتقاليين، أو الجبهة ضد بعض اليمنيين وخاصة بعد دحر البرتقاليين (بغض النظر عن تسميتها تمردا أو مقاومة) لكن العثمانيين يرونها تمردا على دولة الخلافة. بهذا الاعتبار فإن الوحشية العسكرية كانت هي السائدة كما هو شأن الحروب في كل زمان ومكان.
6- لفهم الشخصية التركية يستحب مشاهدة مسلسل قيامة آرطغل، فعند قراءتك لهذه الرسالة ستشاهد أتراكا مثل آرطغل وعثمان، وأتراكا مثل عليار والطبيب آرتوك، واتراكا مثل سعد الدين كوبيك وأورال وعليشار، وشخصيات مثل بامسي وتورغوت، وشخصيات مثل دندار .
7- ستشاهد اليمنيين شافعيهم وزيديهم قوما أولي قوة وأولي بأس شديد، يرفضون الظلم ويقاومونه، أحيانا يقاومون العثمانيين بسبب ظلم الوالي وأمرائه المحليين، وأحيانا بسبب معتقد ديني، وهو ما يميز أنصار العقيدة الزيدية في الحكم فقد كانوا يقاتلون العثمانيين باعتبارهم مغتصبين لما يرونه من حق بني الحسن والحسين بالإمامة.
8- إن خير الدولة العثمانية استمتعت به المناطق الحضرية، وهي الجَنَد وتهامة وحضرموت، وأن وحشية العثمانيين أصابت المناطق القبلية.
9- إن سياسة العثمانيين مع المناطق القبلية في كل أنحاء الدولة العثمانية هي التعامل مع مشايخ القبائل المتغلبين باعتبارهم أمراء عثمانيين على مناطق نفوذهم يكتفون منهم بالولاء العام في الخطبة والعلاقات الخارجية مقابل دفعهم إتاوات للدولة العثمانية.
10- إن سياسة السلطان مراد الرابع تجاه اليمن بعد زوال الخطر البرتقالي كان النظر إليها باعتبارها مصدرا للمال فقط، وبهذا نستطيع القول إن العثمانيين لم يفهموا اليمنيين الذين فرّقوا بين العثمانيين باعتبارهم خلفاء مقاومين للصليبيين، وبينهم باعتبارهم جباة أموال، ولهذا السبب كانت اليمن اول بلد خرج من سيطرتهم بعد مائة سنة من دخولهم بسبب عدم تقديرهم لليمنيين، وعدم فهمهم لطبيعتهم المقاومة للظلم. د. عارف عبد. الكلدي 1-10-2020م