إلى وقت قريب لم يكن اسم تركيا مألوفا في سماء أحداث منطقة الشرق الأوسط، كانت بلدا غير لافت للانتباه، ومهتما ببناء وضعه الداخلي أكثر من أي شيء آخر، وهذا هو الوضع الصحيح أن تهتم الدولة بشأنها الداخلي وتحتفظ بحسن جوار سياسي وجغرافي، وعلاقات يسودها الود مع الدول الأخرى، غير أنها أخيرا باتت على النقيض مما عرفت به سابقا، إذ تبذل كل طاقتها وجل قدراتها لافتعال أزمات، وإحداث اضطرابات في البر والبحر، مع غالبية الدول المحاذية لها!
قد يقول قائل: إن ما بدا أخيرا كان في السابق كامنا تحت الرماد، ويخطط له خلف الأضواء، تتحين فرصة للخروج من أسفل الطاولة إلى أعلاها، وهذا يبدو أقرب للصواب، خاصة إذا وقفنا أمام خلفيات التاريخ وأحداثه، ومطامع الجغرافيا، ومطامح المستقبل التي تعكس في مجملها أن نزعة التمدد الخارجي لديها ما زالت باقية وبوجه جديد يعتمد على أدوات من أبناء البلد المستهدف.
لا يبدو اليمن بعيدا عن أهداف التوسع التركي وإيجاد موطئ قدم لمشروعه فيه عبر أدوات محلية، غير أن فرصته في هذا البلد ليست وفيرة، والأدوات التي يمكن الاتكال عليها في التمدد غير متوفرة في الواقع، والأصوات اليمنية -على ندرتها- التي تصدح في بعض المواقع خدمة للمسار السياسي التركي لا تمتلك قدرة التغيير الواقعي، ولا قوة حرف بوصلة اليمن عن محيطها العربي ومشروعه.
تعاظمت مطامع إردوغان في تكريس سياسة التوسع بعد أحداث انقلاب 2016، وتعزيز قبضته الفردية على مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية التي كانت تحفظ إلى حد ما توازنا مقبولا لا يخل باستقرار المنطقة، كما أن تحالفه مع الأحزاب القومية عزز من نزعة التمدد لديه.
لم تكن تركيا قبل سنوات كما هي عليه حاليا، اليوم هي تشبه إيران كثيرا في تعاطيها السياسي مع دول الجوار، ودورها العسكري خارج حدودها، باتت النظرة إلى نظامها من قبل دول المنطقة والإقليم لا تختلف عن نظرتها الممقوتة إلى النظام الإيراني، فكلاهما يمثل مصدر قلق وتهديد.
لم تكسب تركيا شيئا نتيجة سياستها الهوجاء الأخيرة، لكنها خسرت الكثير من الأشياء التي تحتاجها الدول لضمان استقرار داخلي أمثل، وبناء مستدام، فكل دولة تحتاج إلى علاقات خارجية خالية من التعقيد، تحتاج إلى تبادل وتعاون ثقافي وتجاري وأمني مع محيطها الجغرافي ومع كل الدول، وحين تضطرب علاقة هذه الدولة مع جوارها تخسر كل هذه المزايا، وتخسر من رصيدها الدبلوماسي، وتتعزز عزلتها السياسية، وإلى هذا الحال تمضي تركيا بإصرار غريب!