مرة أخرى وثالثة وعاشرة نقول: لا يمكن أن يصلح حال اليمن وهي تعيش شتات موقف فرقاء الشرعية في مواجهة العدو الواحد، اتفاق الرياض الذي أعلن عنه برعاية سعودية، وبذلت المملكة لإنجازه كل الجهد والصبر طوال فترة الحوار، يشهد فتورا وتباطؤا في تطبيق بقية بنوده، وبدلا من سعي الأطراف لحلحلة النقاط العالقة، يبدو أن كل طرف اكتفى بما قام به، ثم شرع في إلقاء تهمة ضلوع الطرف الآخر في عرقلة كامل تنفيذه.
ما هو أهم من تحميل كل طرف الآخر مسؤولية التنصل أو عدم الالتزام، هو المبادرة وإبداء حسن النية، وبذل جهود مشتركة للتقارب، المضي في استحضار نقاط الخلاف لن ينتج عنه سوى استمرار التصعيد، وفي هذا إضرار كبير في تصدع الجبهة الداخلية وإبقائها على حالة الشتات الذي يخدم بقاء العدو الحوثي.
التأزم الاقتصادي الحاصل وانعكاساته على حياة المواطنين لا يحتاج إلى مزيد من التأزم السياسي، فمن يرى حال عدن وبقية المناطق المحررة وحال الناس فيها يأسف لوصولها إلى هذا الوضع، تراكمت التحديات في كل الجوانب الخدمية والمعيشية والاقتصادية، في حين تشهد العملة الوطنية انخفاضا مريعا في قيمتها أمام الدولار، مما ضاعف حدة الأزمة الاقتصادية، إذ تجاوز صرف الدولار ألف ريال يمني، مع احتمالات انخفاضها بشكل أكبر، نظرا لاستمرار بقاء مسببات تدهور العملة الوطنية.
وهذا التأزم الاقتصادي في المناطق المحررة وانعكاسه السلبي على حياة المواطنين، وعلى قدرة الدولة في تلبية متطلباتهم الخدمية وإدارة مؤسساتها، إضافة إلى وجود خطر حوثي في مناطق التماس والجبهات يهدد سقوط بعضها، لهو أمر يتطلب توحيد الموقف ونبذ كل عوامل الخلاف، قدم الأشقاء في التحالف بقيادة المملكة مقومات النصر وممكنات التحرير، وبقي على أطراف الداخل المناهضة للانقلاب أن تعي حجم مسؤوليتها، وتقف بإخلاص للمضي قدما في طريق استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
خاض طرفا الاتفاق مفاوضات متقطعة، توجت بتوقيع الاتفاق في 5 نوفمبر من العام 2019، ثم تأخر التنفيذ، وعند الشروع في التنفيذ تأخر التطبيق، وعند بدء التطبيق، تم الاكتفاء ببداية مخيبة لآمال الشعب، ولم يشهد ملف الاتفاق تقدما كبيرا وملموسا منذ عام، وهذا أمر يجب الوقوف حياله، فكل طرف ملزم بإكمال ما يقع على عاتقه، نقول هذا لأننا على يقين أن الاتفاق يضع الجميع أمام مسؤولية إخراج اليمن من هذا المأزق، ونؤمن أن التنفيذ الكامل له يعود بالأوضاع إلى نصابها الصحيح.
عامة الشعب لا تأبه لتفاصيل حديث الساسة، وجولاتهم التفاوضية في سبيل تحسين حصص كل فريق من تقاسم السلطة، بقدر ما يهمها وصولهم إلى اتفاق يفضي إلى تحسين مستوى معيشتهم، وتقديم الخدمات لهم، ودحر العدو المتربص بهم، لكن مسؤولية الساسة تجاه هذا الشعب يجب أن تكون أولا وثانيا وأخيرا، تفضيل هذا الطرف أو ذاك مضاعفة مكاسبه في السلطة على حساب الشعب في هذا الظرف السيئ يعد تصرفا غير مسؤول يجب التخلي عنه.
طال أمد الحرب، وتضاعفت معها معاناة الشعب شمالا وجنوبا، وكل يوم يمر دون تقدم في تنفيذ اتفاق الرياض يزيد من سوء الأوضاع وتدهورها في المناطق المحررة وغير المحررة أيضا، نظرا لتمكن الحوثي فيها مستغلا شتات فرقاء الشرعية، والمسؤولية هنا تستوجب أن يضع الفرقاء مصالح الشعب نصب أعينهم، ويتجاوزوا ما قد يعيق إكمال تنفيذ بنود الاتفاق، كان يجب أن نصل إلى هذه الأيام بعد ما يقارب العامين منذ التوقيع وقد اكتمل التنفيذ، وتضافرت كل الجهود لتحسين الوضع الاقتصادي في المناطق المحررة، وتوحدت لردع الانقلاب الحوثي.