المنطق الذي سارت معه حياة الأمم باتجاهها الصاعد هو أن المعارك المصيرية الكبرى كانت تمتص المعارك الصغيرة الهامشية التي تنشأ بين الفرقاء في المسار العام لمواجهة التحديات الناشئة عنها .
تعيد ترتيبها ، وعنونتها ، وحلها بقوة الحجة التي يفرضها منطق المعركة المصيرية للأمة .
لو لم يكن الأمر كذلك لما تطورت الأمم على النحو الذي نراه اليوم .
كل الذين خسروا المعارك المصيرية كانوا قد استنزفوا وقتهم وجهدهم وتفكيرهم في معارك هامشية صغيرة . فما إن تتمكن هذه المعارك من احتواء الجميع في أجوائها ، ومزاجها ، ومنطقها حتى تبدو وكأنها قد تركت المعركة المصيرية وراءها ، وأخذت مسارا مغايراً ينتهي الى الهزيمة .. حدث هذا في تجارب كثيرة من تاريخنا المعاصر ، وبقيت هذه الأمم على هامش الحياة .
بعد فوات الأوان يكتشف جميع الفرقاء أنهم منيوا بالخسارة مرتين :
الاولى خسارة المعركة المصيرية ، والثانية أن إنتصار أي فريق في المعركة الصغرى قد تم بأدوات لن تلبث أن ترتد الى داخله بمزبد من التمزق والتفكيك .
سيكتشفون أن ما اختلفوا عليه كان تافهاً أمام ما وضعته الحياة في أيديهم من مسئولية .
كم هي التجارب التي تتكرر في حياتنا على هذا النحو الذي نخسر معه الفرصة لقاء الاصرار على تسجيل انتصارات جزئية في معارك صغيرة .