قبل الحديث عن هذا العنوان يجب التنبيه إلى أنه الفرع، وأما الأصل الذي ينبغي أن يكون نصب أعيننا فهو سوق العمل اليمنية التي نكون فيها أمراء، ولسنا أجراء.
لكن السعودية المجاورة لنا والمتقدمة علينا اقتصاديا يجب أن تتكون لدينا رؤية صحيحة عن سوقها، ولا سيما أن الملايين من أبناء وطننا كانوا يعتمدون عليها.
ولمحاولة تكوين هذه الرؤية سيكون الحديث عنها من اتجاهين:
الاتجاه الأول: فهم السعودية وسوق عملها.
وفي هذا السياق يجب أن أن نفهم أن السعودية القادمة تختلف عن السعودية التي كان يعرفها المغتربون فيها.
السعودية القادمة تتجه إلى إلغاء السلفية الوهابية التي اقترنت بها منذ تأسيسها منذ حوالي ثلاثة قرون، أو على الأقل التضييق عليها، ومحاصرتها في وظيفة سياسية تحدد لها بوضوح. ليس المقال للحديث عن هذه المسألة وإنما عن سوق العمل الذي لا شك أنه سيتأثر جذريا بهذا الاتجاه، وخلاصته أن التعاقدية ستحل محل التراحمية.
(للمزيد من التفاصيل حول التعاقدية والتراحمية يراجع فكر عبدالوهاب المسيري)
في السعودية القادمة لن تجد رحمة في سوق العمل، ولن تجد أثرا للاحتساب في اليوم الآخر، فكل واحد سيدخل بعقد عمل واضح، يحدد له شغله واحدة لا يعدوها، بحيث أنه لو التفت يسارا أو يمينا يقال له: شف شغلك فقط، وإلا ارحل.
لن تجد أثرا للصدقة والزكاة والتعاون والشراكة، ولا يأمل أحد من الوافدين أنه سيفتح له مشروعا خاصا به ما لم يكن مستثمرا كبيرا تدعوه سوق العمل إليها.
يجب أن يعلم المغتربون في السعودية الذين تم ترحيلهم عنها أنهم رُحِّلوا بخطة مدروسة، وباستراتيجة موضوعة، وليس قرارا ارتجاليا.
وإذا أرادوا العودة فلابد لهم من تأهيل أنفسهم، أي أنه لابد أن يكون عندهم تخصص علمي ومهني واضح، إلا إذا أرادوا العمل في مجال الخدمات، وحتى في هذا المجال فلن يستطيع من أراد من اليمنيين منافسة البنغال والفلبينيين وما شابههم، اللهم إلا في مجالات ضيقة مثل البناء والتلييس وما إليها.
الاتجاه الثاني: فهم علاقة اليمني بسوق العمل السعودية.
إن حركة الشباب منذ 2011م الذين كان يحركهم الفقر وعدم الشعور بالكرامة، وما نتج عنه من سقوط نظام علي عبدالله صالح تكشفت عنه حقائق كان يعلمها القليل ويجهلها الكثير، أما الآن فقد اتضحت الحقيقة لكل ذي عينين، إلا من كان مغفلا.
هذه الحقيقة هي أن علي عبدالله صالح لم يكن غير الضلع الثالث من أضلاع المثلث الحاكم، وفوقه السفير السعودي، وفوقهما السفير الأمريكي.
وبناء على هذا الوعي الذي تكوّن عند الشباب اليمني، فإن أقل ما يرضى به اليمنيون في حالة ما إذا استمرت السيطرة السعودية الأمريكية على اليمن هو أن يعاملوا وفق هذه المعادلة.
في مجال سوق العمل فإن أقل شيء هو أن يعود وضع اليمني في سوق العمل السعودية مثلما كان وضع مواطني ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية قبل عام 1990م.
وأن السعودية وأمريكا ملزمتان بحل مشاكل الشباب اليمني كالتزامهما بحل مشاكل الشباب السعودي والأمريكي.
أيها الشباب اليمني: إن قيمتكم عند الآخرين هي من قيمتكم عند أنفسكم، والمرء حيث يضع نفسه، فأهّلوا أنفسكم علميا وعمليا، وطالبوا بحقوقكم بعقل ووعي وحكمة وقوة إرادة، وحينها فقط سيعترف بكم العالم. ✍د. عارف عبد. الكلدي 14-11-2020م