د.عارف عبد. الكلدي
د.عارف عبد. الكلدي

موقع حكومة 2020 من التاريخ اليمني

الذي يعرف التاريخ اليمني المعاصر يدرك الأهمية التاريخية لهذه الحكومة،  فهي - إن كتب الله لها النجاح- تأتي ثمرة لمخاض ثالث عسير ممتد منذ سنة 2006م،  تقدم فيها الخارج خطوة ذات أهمية بالغة نحو الشعب اليمني،  وبالمقابل التقطت القوى الوطنية الواعية بالتاريخ هذه الفرصة فتقدمت بخطوة مقابلة،  ليتم التقاء الخارج والداخل في الوسط،  ولتكون هذه الحكومة إنجازا جديدا للشعب اليمني، وخطوة جديدة في طريقه نحو السيادة والتنمية المستدامة. 

البداية الحقيقية للتاريخ اليمني المعاصر كانت بالحدث الجلل المتمثل بقرار النخبة الواعية من الشعب اليمني إسقاط النظام الكهنوتي في الشمال،  وطرد الاستعمار البريطاني من الجنوب،  لتكون ثورتا السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر العنوان البارز لهذا التحول التاريخي الكبير الهادف إلى تأسيس دولة يمنية ذات سيادة كاملة تنطلق عجلة تنميتها. 

نجحت الثورة في إسقاط الإمامة وطرد الاستعمار،  ولكنها لم تنجح في تأسيس دولة قوية ذات سيادة لسبب واضح،  وهو أن اليمن جزء من نظام دولي سائد،  وامتداد لنظام إقليمي أكبر منه يدور في فلك هذا النظام الدولي،  ولن تستطيع أي قوة محلية في هذا الواقع أن تدور في الخط المعاكس مهما كانت. 

مرت اليمن في طريق سيادتها وتنميتها الذي لم يتحقق حتى اللحظة بثلاثة مخاضات عسيرة أعقب كلَّ مخاض فترةٌ من الاستقرار النسبي. 

امتد المخاض الأول من سقوط الإمامة  (مروروا بسنوات الكفاح المسلح وجلاء الاستعمار) إلى سنة 1978م، فقد فيه الشعب اليمني ثلة من خيرة رجاله ونسائه،  وعُزل فيه رئيسان،  واغتيل أربعة رؤساء،  وانتهت المرحلة بنظام 1978 في الشمال تحت الرعاية السعودية الأمريكية،  ونظام 1978 في الجنوب تحت الرعاية السوفيتية،  ودخلت اليمن بشطريها مرحلة من الاستقرار السياسي،  (لولا مشاكل اليسار في الجنوب التابعة لمشاكل اليسار الاشتراكي العالمي)  واستمر هذا الاستقرار النسبي إلى سنة 1990م حينما سقط الراعي الخارجي لنظام الجنوب فتوحد الكيانان في كيان واحد من شأنه -باعتبار هدف الثورتين- الانطلاق باليمن نحو السيادة والتنمية، ولكن الهدف لم يتحقق لسبب خارجي بالمقام الأول، ولسبب داخلي بالمقام الثاني. 

دخلت اليمن في مخاض جديد اختلفت فيه وجهات نظر الخارج الذي كان راعيا لنظام الشمال في شأن اليمن الجديد،  واستمر هذا المخاض سبع سنوات عجاف،  انتهى بنظام 1997م حينما خرج حزب الإصلاح أو أُُخرج من السلطة،  مرورا بأحداث 1994م التي أُخرج فيها الحزب الاشتراكي وبقية الأحزاب، وضم الجنوب كملحق بالشمال وليس كشريك. 

 بنظام 1997م دخلت اليمن في شراكة جديدة مع الخارج الإقليمي والدولي مثّل اليمن فيها عائلة علي عبدالله صالح (برعاية الخارج بطبيعة الحال) ودخلت اليمن في مرحلة استقرار نسبي امتد إلى سنة 2006م. 

عندما استقر الأمر لعائلة صالح والرعاة الإقليميين والدوليين (السعودية وأمريكا) كانت في اليمن معارضة،  تمثلت في ثلاثة اتجاهات:

- معارضة الأحزاب السياسية التي تعد امتدادا للثورتين،  وقد استطاعت هذه الأحزاب تنظيم نفسها في إطار اللقاء المشترك. 

- معارضة الجنوب،  الذي رأى أنه غُبن في المعادلة السياسية الجديدة. 

- معارضة الهاشمية السياسية التي ترى  باعتبار تاريخها في حكم الشمال أنها أولى بالحكم من عائلة صالح التي لا تاريخ سياسي لها ما دام الأمر رجع إلى الحكم العائلي. 

مثلت انتخابات 2006 التي هز فيها فيصل بن شملان مرشح اللقاء المشترك كيان العائلة الحاكمة بداية المخاض،  أعقبه مباشرة انطلاق الحروب الحوثية  وانطلاق شرارة الحراك الجنوبي،  وكل هذا حصل بضوء أخضر من الأضلاع الثلاثة الحاكمة (المحلي والإقليمي والدولي) ليرسلوا رسالة إلى أحزاب اللقاء المشترك أنهم ليسوا المعارضة الوحيدة.

شكلت ثورة 2011 التي تمثل في عمقها الشباب اليمني البريء المتطلع نحو الاستقرار والتنمية في سياق الربيع العربي شكلت الحدث الأكبر الذي حرك عجلة المخاض،  فحصل ما حصل من تفاصيل عايشها من يقرأ هذا المقال. 

جاءت هذه الحكومة لتكون إعلانا بقرب نهاية هذا المخاض الطويل العسير،  وحولها التأملات التالية: 

- قدّمت الحكومة حلا عمليا واقعيا لقضية الجنوب.

- الحكومة في عمقها شراكة بين الداخل والخارج. 

- من يمثل الداخل ليس جهة ولا عائلة ولا منطقة ولا قبيلة،  وإنما قوى وطنية حرصت على تقديم أفضل ما عندها من كفاءات. 

- لا تحمل هذه الحكومة أي عنصرية ضد المرأة،  ولكن لأن المرحلة تقتضي كفاءات قوية لم يستطع الجنس اللطيف مجاراتها،  ولو وجد أي حزب كفاءة نسوية على قدر المرحلة لما تردد في تقديمها. 

- تُعد هذه الحكومة ضغطا كبيرا على الهاشمية السياسية ليأخذوا مكانهم الواقعي بعيدا عن ادعاءاتهم الكهنوتية العريضة. 

أختم المقال بكلمة للشباب، العنصر الأكثر براءة ووطنية،  أن يأخذوا دورهم كعنصر ضغط في المعادلة السياسية نحو الهدف الأسمى، وهو السيادة الكاملة والتنمية المستدامة، وأن يبعدوا عن الشطط والتطرف، وعدم الواقعية،  وأن يكونوا أكثر وعيا نحو الكيد والمكر، والشحن العاطفي الأعمى، فأنتم يا معشر الشباب عنوان المستقبل.