د.ياسين سعيد نعمان
د.ياسين سعيد نعمان

"خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء "

ظل الأدب شعراً ، رواية ، بلاغة ، مسرح مصدراً لإثراء مناهج التفكير السياسي والعلوم الأخرى ، وإكسابها الخيال الواسع لاستيعاب قضايا المجتمع . 

ولم تتطور السياسة على النحو الذي نشهده اليوم في كثير من دول العالم إلا بارتباطها الوثيق بما قدمه الأدب من روائع مستخلصة من واقع المجتمعات وقضاياها المختلفة .

قام الأدب بدور الكاشف لقضايا المجتمع وحاجته ، وقامت السياسة بتعميمها ونقلها إلى برامج سياسية ، وشكل التشابك بين الإثنين قوة ضاغطة للتغيير .

وشهدت أوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أوضح علاقة بين الأدب والسياسة ، كان الأدب فيها بمثابة الملهم لصياغة مناهج التغيير السياسي التي أطاحت بالانظمة الدكتاتورية والمستبدة .

وفي محطات تاريخية هيأ الأدب المجتمع وسلحه بالوعي للتفاعل مع دعوات التغيير بالثورة والإصلاح ، وكان مع كل دعوة للتغيير يتحول إلى قوة مادية تختزن حاجة الناس إلى حياة أفضل .

ومثلما ألهم فكتور هيجو الثورة الفرنسية في روايته "البؤساء"، وجان جاك روسو صاحب فكرة العقد الإجتماعي في روايته الشهيرة " جوليا" ..

وغيرهم الكثير  والكثير .. فقد استعان قائد الثورة الروسية "لينين"بالأدب الروسي الخصب ليستعير منه  أهم ما كتبه في مرحلة حرجة من مراحل الثورة ، وهو كتاب " خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء" والذي عالج فيه كثير من عقبات التغيير السياسي في روسيا إبان الثورة الروسية  ، وهو عنوان مأخوذ من رواية الكاتب الروائي الروسي الشهير  انطوان تشيخوف " المبارزة" ، مع تحوير بسيط ، حيث يقول تشيخوف صاحب الفكرة " يخطو الناس بحثاً عن الحقيقة خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء .

تدفعهم الالام والأخطاء وملل الحياة إلى الوراء ، لكن الشوق إلى الحقيقة والعزيمة الصلبة تدفعهم إلى الأمام قدماً "  .

لقد كانت الفكرة التي كتبها تشيخوف بمثابة إلهام لوضع منهج سياسي بمخيال إجتماعي مؤثر . هكذا يسعف الأدب السياسة في أهم محطاتها بفكرة يتم استخلاصها من واقع المجتمع في حركته .  الأدب يخصب حياة الأمم ويؤسس لنهضتها .