د.عارف عبد. الكلدي
د.عارف عبد. الكلدي

إشكالية النظام الجمهوري في اليمن  (رؤية من أجل صمود الجمهورية)

     الحلقة الأولى

  د. عارف عبد. الكلدي   النظام الجمهوري يعني إسناد السلطة والثروة للغالبية من الشعب،  وهم الذين يقال لهم الجمهور،  وإطلاق اسم الجمهور على الغالبية مأخوذ من الفقه الإسلامي،  فمذهب الجمهور عندهم يعني قول أغلب الفقهاء. 

لكن النظام الجمهوري السياسي لم يكن من إنتاج الفقه الإسلامي،  وإنما هو استفادة  من مصطلحاته لترجمة مصطلح: Republication System وهو مصطلح يطلق على نظام حكم كان معروفا قديما عند اليونان والرومان،  ثم أحيته الثورة الفرنسية،  وأضافت إليه أفكارا جديدة تتناسب مع العصر ومع التاريخ الفرنسي، والبصمة الفرنسية. 

 أنتج التاريخ الحديث ثلاثة نماذج رئيسية للنظام الجمهوري، بغض النظر عن اختلاف التفاصيل،  وهي:

- النموذج الفرنسي،  الذي قام على إثر ثورة عنيفة طويلة الأمد على التحالف الملكي الارستقراطي الكاثوليكي، ولكنه لم يقض على الارستقراطية تماما، بل ترك لها مجالا للمشاركة وفق حجمها الجديد في المجتمع. 

- النموذج الأمريكي،  وهو نموذج استفاد من نتائج الثورة الفرنسية والبريطانية معا، وصاغ نظاما جمهوريا فريدا يتناسب مع شخصية وبصمة العالم الجديد، من إنتاج العقلية الإنجلوسكسونية التي تميل إلى الحلول التوافقية. 

- النموذج الماركسي اللينيني، الذي قام على قمع الطبقة الإرستقراطية وسحقها تماما، وإسناد الحكم إلى البروليتاريا أساسا التي تبعتها الطبقة المتوسطة بعد قصقصتها، وقد تفرع إلى فرعين، وهما: النموذج اللينيني الروسي، والنموذج الماوي الصيني.  

وهنا لابد من الإشارة إلى نموذج فريد من إنتاج العقلية الإنجلوسكسونية البريطانية، التي رأت أن النموذج الفرنسي لا يركب على بريطانيا،  فأبدعت نموذجا وسطا يحمل بصمتها وعقليتها،  ومذهبها البروتستانتي المرن، وهو ما عرف بالملكية الدستورية   (constitutional monarchy) وهو النموذج الذي اختارته معظم الدول الأوروبية. 

قبل الدخول إلى إشكالية الجمهورية في اليمن فإن الحديث يجرنا حتما إلى إشكالية النظام الجمهوري في البلدان العربية الأخرى باعتبار اليمن جزءً من الوطن العربي الكبير الذي شهد تاريخه الحديث ثورات شعبية ضد الاستعمار آلت نتيجتها إلى حركة القوميين العرب بأجنحتها المتعددة: الناصرية والبعثية والشيوعية. 

مشكلة هذه الجمهوريات أنها كانت تقليدا محضا لما حصل في الغرب، وبعد ثبوت التقليد اختلفوا فيما بينهم بين نموذجين لتقليدهما:

فمنهم من كان يقلد النموذج الفرنسي،  وهي سمة غالبة على القوميين. 

ومنهم من كان يقلد النموذج الماركسي وهم الشيوعيون. 

بمعنى آخر أن بضاعتهم تقليد، وليست منتجا أصليا يعبر عن هوية العرب الإسلامية، وحضارتهم، وتاريخهم، وجغرافيتهم، وشخصيتهم، وبصمتهم الخاصة التي هي في الحقيقة ليست فرنسا ولا بريطانيا ولا أمريكا ولا روسيا ولا الصين. 

من ناحية فكرية كان هذا الخلل أحد أبرز فشل تلك الجمهوريات، ومن ناحية الواقع كان هذا الخلل أبرز سبب في سيطرة القوى الكبرى على مخرجات تلك الجمهوريات وتوجيه دفتها لمصالحهم الاستعمارية. 

وعلى أية حال هي تجربة لابد من الاستفادة منها،  ولا يمكن أن يأتي النجاح دفعة واحدة، بل هو تراكم لدروس يثمرها الفشل. 

بعد هذه المقدمة ندخل في موضوعنا، وهو موضوع متشعب إلى ثلاثة فصول:

فصل يتعلق بإشكالية الجمهورية العربية اليمنية.  وفصل يتعلق بإشكالية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.  وفصل يتعلق بإشكالية الجمهورية اليمنية.  وخاتمة تستشرف المستقبل.  وللكلام بقية في الحلقات القادمة إن شاء الله...