بقلم/ محمد مرشد عقابي:
المقاومة تعني النضال بمواجهة الظلم والإستبداد والإحتلال لنيل الحرية ورفع الطغيان، ويمكن تحقيق المقاومة عبر القيام بالفعل او ما يمكن تسميته بالأداء الإيجابي او انه يمكن التزام الأداء السلبي او السلمي، وتختلف صورة فعل المقاومة انطلاقاً من ظروف كل شعب او امكاناته وهي تختلف باختلاف المعطيات او الزمان والمكان وقدرات الجهة المحتلة او الظالمة التي تتم مواجهتها من هنا يمكن تقسيم اشكال او صور المقاومة الى عدة اقسام منها المقاومة الشعبية السلمية وهي أسلوب كفاحي سلمي يستخدم عند عدم تكافؤ الفرص وموازين القوى بين الشعب المقاوم او المواجه والعدو او الجهة المحتلة والظالمة، وهذه الصورة قد تتخذ صورة العصيان المدني او الإضراب العام الشامل او رفض التعاطي مع جهة معينة اياً كانت بهدف إيصال رسالة معينة او لتعطيل عملها، هذه الصورة من المقاومة استخدمت عبر التأريخ من قبل شعوب وقيادات معينة ابرزها "غاندي" الذي قام بمواجهة سلطات الإستعمار البريطاني في الهند، اما المقاومة الإقتصادية قد تكون من اصعب الأمور لانها ترتبط الى حد بعيد بقدرة الدول على الإستقلال او الإستغناء عن الأنظمة والمنظومات العالمية، لذا فان الحديث عن مقاومة اقتصادية يحتاج الى بناء انظمة اقتصادية واقتصادات دول مستقلة عن التبعية لان البقاء ضمن الأنظمة الريعية والإستهلاكية التي تحتاج لما يصنعه الغير من القدرة على الإنتاج وتقوية القطاعات المختلفة لاسيما الصناعية والزراعية سيجعلنا قاصرين عن مواجهة الإنتاج الذي يتحكم بما نأكل ونشرب وما نلبس ويتغلغل بكل يومياتنا عبر الكثير من الأجهزة التي يصنعها لنا وتنتشر بشكل سريع في إطار العولمة المتوحشة التي نعيشها.
قد لا نبالغ اذا قلنا ان هذه التبعية التي تعيشها الكثير من شعوبنا الإسلامية والعربية قد تجعلها في بعض الأحيان عاجزة ليس فقط عن المقاومة الإقتصادية وانما ايضاً قد تعجز عن المقاطعة الإقتصادية في أبسط صورها عندما يطلب منها مقاطعة منتج بعينه تصنعه الدول المعادية، فبناء الأنظمة الإقتصادية بشكل صحيح وسليم ومقاوم يؤمن الإكتفاء الذاتي للشعوب الحرة او الباحثه عن الحرية والإستقلال.
اما المقاومة القانونية والقضائية فتعني ملاحقة العدو الظالم والمحتل والمستبد وقياداته عن الجرائم والإنتهاكات التي يرتكبها من خلال الأطر القانونية والقضائية المتاحة وعند النظر لتأريخ النظام اليمني الذي احتل الجنوب صيف 1994م حتى عام 2015م سنجد وجوب ملاحقة قادة هذا النظام وعملائه في المحاكم الدولية جراء الجرائم التي ارتكبوها بحق شعب الجنوب فاقطاب هذا العدو المحتل ارتكبوا طيلة السنين الماضية جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة وتهجير جماعي وقتل وسفك دماء واستخدموا القوة بشكل مفرط ضد المدنيين العزل من ابناء الجنوب وقاموا بقمع المظاهرات السلمية واستخدام القوة العسكرية ضد الفعاليات التي تطالب بالحقوق المشروعة، وتكفل تلك المقاومة التشريعية حق ملاحقة القيادات السياسية والأمنية والعسكرية التي تلطخت اياديها بدماء الأبرياء ناهيك عن حالات الإغتيال وإنتهاك مؤسسات دولة ذات سيادة مستقلة، فالتوصيفات القانونية لكل هذه الأفعال توجب إنزال اقصى العقوبات على كل من تورط بإرتكاب اعمال غير قانونية وتوجب المحاسبة والملاحقة للمتورطين فيها، لذلك يجب تطوير وتعزيز الأدوات الدائمة المتخصصة بالقانون الدولي وإنشاء نواة دائمة لتبني هذا الحراك ورفع مستوى المتخصصين في مجال القانون الدولي والمحامين العاملين في هذا المضمار والإستفادة من المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة المدانين بإرتكاب جرائم الحرب.
اعتماد المقاومة القانونية والقضائية يتطلب الرصد والتوثيق الجيد للمعلومات والأحداث وتحديد أعداد الضحايا بالأسماء والأرقام وكافة التفاصيل واعطاء التوصيفات القانونية الدقيقة للجرائم، كما ان المقاومة القانونية والقضائية قد تحمل صوراً اخرى تتمثل في استصدار قرارات إدانة للعدو سواء في مجلس الأمن او الجمعية للأمم المتحدة او غيرها من المؤسسات الحقوقية التابعة للمنظمة الأممية او غيرها من المنظمات الدولية والقارية والإقليمية وحتى المنظمات الحقوقية غير الحكومية بما يشكل المزيد من تسليط الضوء على جرائم العصابات والمليشيات اليمنية ضد الشعب الجنوبي.
المقاومة الثقافية والفكرية والعلمائية هي تلك المقاومة التي لا تسلك مسلك القوة معتمدة على السلاح برد الظلم ولا هي تسلك المسلك السلبي الإعتصامي، وانما هي فعل يعتمد على الكلمة والقول والفكر بكل معانيه من فن وثقافة ومسرح وسينما وشعر وإعلام وكتابة مقالات وصناعة مسلسلات وأفلام وخطب دينية وغيرها الكثير من الصور والأشكال التي لا حصر لها، وهي لا تنفصل كثيراً عن سبل مواجهة الحرب الناعمة حتى تكاد تكون هي نفسها، وفي هذه المقاومة لا يعفى احد من المسؤولية والدور فالجميع قادر على رفع الصوت وقول كلمة الحق والقيام بالفعل المناسب في الظرف المناسب والأمر غاية في الدقة ويحتاج الى كثير من التنبه والوعي والتذكير الدائم به والإبتعاد عن الغرور، وتحتل مسألة وحدة الصف الجنوبي خانة مهمة يجب ان يتم التركيز عليها للحفاظ على متانة وصلابة المجتمع المقاوم ضد الأعداء الذين يحاولوا الدخول الى اي تفصيل قد يحدث شرخ بين ابناء البيئة والمجتمع الواحد، اما المقاومة السياسية فلابد ان تواكب المقاومة الميدانية المسلحة وتواكب كل اشكال المقاومة لان القرار السياسي هو الركيزة الأساسية التي ينطلق منها الجميع لتأكيد المقاومة القانونية والإقتصادية والعسكرية والثقافية، فبدون القرار السياسي لن يكون هناك جدوى ولن نصل الى اي مبتغى ممكن في إطار العمل المقاوم.
المقاومة المسلحة وتعني حمل السلاح لمواجهة المحتل والطغيان واعتماد القوة المسلحة والعنيفة لرفع الظلم اي دفع العنف بالعنف والقوة بالقوة وعدم اعتماد الوسائل السلمية والقانونية والإقتصادية والثقافية للوصول الى الحق وتبيان المظلومية او محاسبة الظالم وفضح جرائمه، وهذا النوع من المقاومة تكفله كل القوانين والأنظمة والتشريعات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان والدساتير الديقراطية في العالم وتؤيده القيم الانسانية والأخلاقية وله ما يبرره في الأديان والشرائع السماوية التي تحث على مقارعة الظلم، كما ان المقاومة المسلحة التي كانت تتخذ تأريخياً أشكال بدائية انطلاقاً من الوسائل الحربية التي كانت متبعه بدأت تتطور مع تطور العصور حتى وصلت اليوم لما نشاهده من تكنولوجيا عالية وقدرات صاروخية هائلة، والمقاومة في بلدنا واكبت هذا التطور فهي بعد ان كانت تقاتل ببنادق بسيطة بدأنا نرى هذا التطور الكبير في قدراتها التي ظهرت خلال المعارك الأخيرة التي تخوضها مع عناصر المليشيات اليمنية في مختلف الجبهات، والمقاومة في الجنوب العربي أعطت النموذج الأسطع للقدرة على مجابهة من كان يعتقد انه الجيش الذي يقهر وهو جيش النظام اليمني الذي حاول غزو الجنوب عام 2015م برداء الحوثي ذلك يجعل المقاومة المسلحة أحد أبرز وأهم صور المقاومات الممكنة والمفترضة للإنتصار وتحقيق التحرير الكامل للجنوب من رجس الإحتلال اليمني، وكل هذه الصور للمقاومة وما قد يظهر غيرها من أشكال يجب ان تكون متكاملة كي توصل للنتيجة المرجوة التي يتطلع اليها شعب الجنوب قاطبة.