الرئيس الأمريكي يشتكي من حروب الآخرين ويفصل حروبه

تقارير وحوارات
قبل 3 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

 تعطي تصريحات ونوايا وأفعال الرئيس الأميركي جو بايدن في ما يتعلق بإنهاء الحرب في اليمن والانسحاب من أفغانستان انطباعا، بأنه لا يهتم كثيرا كالرؤساء الذين سبقوه بإنهاء “الحروب الأبدية” بقدر اهتمامه بتسليم هذه الحروب إلى طائرات دون طيار مسلحة بقرابة 500 قنبلة وصواريخ هيلفاير، التي تعمل بالتحكم عن بعد الآلاف من الأميال.

وقد أثارت صحيفة نيويورك تايمز هذا الأمر في مقال بعنوان “كيف تخطط الولايات المتحدة للقتال من بعيد بعد خروج القوات من أفغانستان”، إذ فسر بريان تيريل ناشط سلام مقيم في مالوي ذلك بأنه عبارة عن شرح لأولئك الذين أساؤوا فهم عنوان اليوم السابق، وهو “بايدن يقرر الانسحاب من أفغانستان”، حينما قال إن “الوقت حان لإنهاء الحرب الأبدية”.

وعندما روج الرئيس باراك أوباما في 2013 لحروب المُسيّرات مدعيا أنه “من خلال استهداف أولئك الذين يريدون قتلنا وليس الأشخاص الذين يختبئون بينهم، فإن اختيار المسيّرات سيقلل احتمال فقدان حياة الأبرياء”، كان من المعروف أن هذا لم يكن صحيحا.

وإلى حد الآن، فإن معظم ضحايا هجمات الطائرات دون طيار هم من المدنيين، والقليل منهم من المقاتلين، وحتى المشتبه بهم كإرهابيين هم ضحايا للاغتيال والإعدام خارج نطاق القضاء.

وكانت صحة ادعاء بايدن بأن “قدرات مكافحة الإرهاب” الأميركية يمكنها بفاعلية “منع ظهور التهديد الإرهابي لوطننا” أمرا مسلما به بالنسبة لصحيفة نيويورك تايمز، حين قالت إن استخدام “المسيرات وقاذفات بعيدة المدى وشبكات التجسس، هي محاولة لمنع أفغانستان من الظهور كقاعدة إرهابية لتهديد الولايات المتحدة”.

وبعد إطلاق الحملة الدولية الشعبية “بان كيلار درون”، التي تعمل على حظر المسيرات المسلّحة وتلك التي يستعملها الجيش والشرطة للمراقبة، بات الكثيرون يتساءلون عما إذا كان هناك أي شخص في الحكومة أو الجيش أو الأوساط الدبلوماسية أو المخابرات من يدعم موقف الولايات المتحدة بأن الطائرات دون طيار ليست رادعة للإرهاب.

ولا يعتقد تيريل أن شخصا يدعم تلك الفكرة، لكن هناك عدة أشخاص كانوا يشغلون تلك المناصب سابقا ممن يتفقون مع الرأي المخالف.

وأحد الأمثلة على ذلك الجنرال المتقاعد مايكل فلين، الذي كان مديرا للاستخبارات العسكرية في عهد أوباما قبل أن ينضم إلى إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب (وأدين لاحقا قبل العفو عنه)، حيث قال في 2015 “عندما تُسقط قنبلة من طائرة دون طيار فإنك ستلحق أضرارا أكثر من الخير الذي ستحدثه”، و”كلما زاد عدد الأسلحة التي نقدمها، زاد عدد القنابل التي نلقيها مما يغذي الصراع”.

ونشرت ويكيليكس وثائق داخلية لوكالة المخابرات المركزية، تشير إلى أن لدى الوكالة شكوكا مماثلة بشأن برنامج المسيّرات الخاص بها.

وجاء في إحدى الوثائق أن التأثير السلبي المحتمل لعمليات “الأهداف عالية القيمة يشمل زيادة مستوى دعم المتمردين، وتقوية القوات المسلحة. ممّا يؤدي إلى تطرف القادة الباقين وخلق فراغ يمكن للجماعات الأكثر تطرفا الدخول فيه، وتصعيد الصراع بطرق تحابي المتمردين”.

وفي حديثه عن تأثير هجمات المسيّرات في اليمن، قال الكاتب اليمني الشاب إبراهيم مثنى أمام الكونغرس في عام 2013، إن “ضربات الطائرات دون طيار تتسبب في كراهية المزيد والمزيد من اليمنيين للولايات المتحدة وانضمامهم إلى المتشددين المتطرفين”.

وتزيد حرب المسيّرات، التي تبدو إدارة بايدن عازمة على توسيعها، من نطاق الضرر بشكل واضح وتسبب انتكاسة في الأمن والاستقرار في البلدان التي تتعرض للهجوم وتزيد من خطر الهجمات على الأميركيين داخل وطنهم وخارجه.

ومنذ زمن بعيد، توقع كل من الصحافي والروائي البريطاني جورج أورويل والرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور “الحروب الأبدية” التي يشهدها العالم اليوم، وحذرا من أن صناعات الدول واقتصاداتها وسياساتها أصبحت معتمدة إلى حد كبير على إنتاج الأسلحة وتوظيفها إلى درجة أن الحروب لن تخاض بعد الآن بنية الفوز بها ولكن للتأكد من أنها لا تنتهي أبدا، وأنها مستمرة.

ويرى تيريل أنه مهما كانت نواياه، فإن دعوات جو بايدن للسلام في أفغانستان كما في اليمن، بينما يخوض الحرب بطائرات دون طيار، تبدو جوفاء.

وبالنسبة للسياسة الأميركية تتمتع “الحرب بالطائرات دون طيار” بمزايا واضحة لشن الحرب من خلال إصدار أوامر للجنود على الأرض.

وكتب المحلل كون هالينان في مقالته التي تحمل عنوان “يوم الطائرة دون طيار”، يقول إنها “تحافظ على عدد قليل من أكياس الجثث. لكن هذا يثير معضلة أخلاقية غير مريحة”.

وشرح موقفه قائلا “إذا لم تسفر الحرب عن إصابات إلا بين المستهدفين أفلا يكون القتال أكثر إغراء؟ لن يسقط طيارو المسيرات في مقطوراتهم المكيفة في جنوب نيفادا أبدا، لكن الأشخاص في الطرف المقابل سيجدون في النهاية طريقة ما للرد. فكما يتضح من الهجوم على برجي التجارة العالمية والهجمات الإرهابية في فرنسا، فإن ذلك ليس بالأمر الصعب، ولذا فإنه من المحتمل أن يصبح الضحايا من المدنيين”.

والمؤكد بالنسبة للمناهضين لاستخدام السلام، لم تكن الحرب طريقا إلى السلام يوما، فهي ترتد على من قام بشنها في معظم الأحيان، ومع ظهور المسيّرات أصبحت سلاحا عسكريا آخر ينتقل من بؤر التوتر إلى المناطق الحضرية.

وفي نظر تيريل فإن التقدم التكنولوجي وانتشار المسيرات كوسيلة أرخص وأكثر أمانا من الناحية السياسية للعديد من البلدان لشن حرب على جيرانها أو في أي منطقة من العالم تجعل الحروب أكثر صعوبة، ولا يبدو أن الحديث عن السلام في أفغانستان واليمن وشوارع الولايات المتحدة متماسكا أثناء شن الحروب بها، وبالتالي لا بد من ممارسة الضغوط من أجل حظر إنتاجها وتسويقها ووضع حد للمراقبة العسكرية بهذه الأداة الرخيصة.