أكثر من ثلاثة أشهر والمعارك محتدمة بين الحكومة الشرعية وأنصار الله في محافظة مأرب الاستراتيجية، وسط ترقب دولي وأممي ودعوات للتهدئة لا تلقى قبولا.
فما النتائج المترتبة على الوضع في المحافظة حل توقف الحرب أو سيطرة أحد الأطراف؟
علق الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني العميد عزيز راشد على الأوضاع في محافظة مأرب والتي تدور فيها معارك طاحنة منذ أسابيع قائلا: إن "لمحافظة مأرب أهمية اقتصادية بالدرجة الأولى، تليها الأهمية السياسية نظرا لحدودها مع المملكة العربية السعودية، كما أن لها أهمية تاريخية حيث كانت حضارة سبأ وحمير في تلك المنطقة، حيث كان السبأيين يديرون البلاد والجزيرة العربية من هذا الموقع، بالإضافة إلى العامل الاجتماعي".
أهمية استراتيجية
وأضاف لـ"سبوتنيك"، إن مأرب تطل على عدد من المحافظات الشرقية الجنوبية، حضرموت والمهرة وشبوة التي يتواجد بها النفط أيضا، وبالتالي هذا الترتيب من جانب التحالف والولايات المتحدة الأمريكية، كما أن السفير البريطاني يندد بتوجه الجيش واللجان الشعبية إلى هناك.
وتابع راشد، كان غرض المبعوث الأمريكي لليمن أن لا نتقدم في تلك المناطق، لأنهم يعلمون أن استعادة اليمنيين في الشمال السيطرة على النفط في مأرب "رغم قلة الكميات النفطية"، لكن عندما تقوم حكومة الإنقاذ بتحرير المحافظة سوف تودع عائدات ومردود النفط إلى البنك المركزي، الذي سيقوم بدفع المرتبات إلى كافة أبناء الجمهورية اليمنية من سقطرى إلى صعدة، وهو ما يخشاه العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي، لأن تسليم المرتبات سيجعل الشعب ينتفض بالكامل ضد الاحتلال "بحسب قوله".
مرتزقة العالم
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية جذب إلى اليمن كل مرتزقة العالم، وآخرها القاعدة وداعش والتي جذبتهما الولايات المتحدة إلى البلاد وسهلت عبورهم إلى تلك المناطق وأصبحوا هم النسق الأول، لكي يسهلوا لهم انسحابا تدريجيا لأنهم علموا أن الأمر محسوم من قبل الجيش واللجان الشعبية، والقرار من أعلى قيادة إلى أصغر مواطن في اليمن يقول إنه لا بد من تحرير مأرب.
لا تراجع عن مأرب
وأكد راشد أن "الجيش واللجان الشعبية أصبحوا قريبين جدا من المدينة وتسقط بأيدينا مواقع كثيرة كل يوم، رغم أنهم كانوا يراهنون على القاعدة بحكم أنها مدربة ولديها أيديولوجية، لكن تلك الأيديولوجية أمام الجيش والخبرة اليمنية لا تساوي شيئا، ولدينا كل تفاصيلهم من داخل صفوفهم من شرفاء مأرب".
ولفت الخبير العسكري إلى أنه "لا يمكن التراجع عن مأرب لأن هذا الأمر قرار سياسي وسيادي وشعبي، لأن المعاناة من نقص الغاز والبترول والطاقة بسبب الحصار وسرقة النفط اليمني وصلت إلى قمتها، في الوقت الذي تستحوذ أمريكا على النفط اليمني كما تفعل في سوريا، الأمريكان يريدون النفط مهما كانت هناك بدائل يتحدثون عنها".
هدفا لأنصار الله
من جانبه قال الكاتب والباحث السياسي اليمني محمد بالفخر: "منذ الأيام الأولى لانقلاب سبتمبر/أيلول 2014، وبعد تمدد المليشيات الحوثية في كافة المحافظات، كانت مأرب هدفا للسيطرة عليها والانطلاق منها إلى إلى حضرموت والمهرة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، "فكان أهل مأرب ومقاومتهم الوطنية سدا منيعا حال بين المليشيات وتحقيق أهدافها مبكرا، واستقبلت مأرب أعدادا كبيرة من النازحين من مختلف المحافظات الأخرى، وأصبحت ملاذ آمن لكل من أتى إليها وقدمت من خلال سلطتها المحلية نموذج للدولة، بما تحمله الكلمة رغم قساوة الظروف واستمرار الحرب، والحملات الحوثية المتكررة بين الحين والآخر في محاولة إسقاطها".
آخر معاقل الشرعية
وأكمل بالفخر، نظرا لأن مأرب اصبحت واجهة لما تبقى من الشرعية في ظل ترهلها وضياع بوصلتها بعد تنفيذ المجلس الانتقالي انقلابه في عدن، وبعد ظهور طارق عفاش ومجلسه الآخر في الساحل الغربي، الذي ينبئ عن ظهور حفتر جديد، وبعد تغير اجندات دولية تجاه المنطقة برمتها وتحديدا سياسة بايدن المتهادنة مع الحوثيين، ازدادت ضراوة الهجمات الأخيرة ترافقها موجة من الحملات الإعلامية المتمنية سقوط مأرب أو إسقاطها إعلاميا بين الحين والآخر.
وأشار الباحث السياسي إلى أن كل أهداف الحوثيين هى استكمال سيطرتهم على الأرض حتى إن دخلوا في مفاوضات إيقاف الحرب تكون على الأقل مأرب تحت سيطرتهم، و يفاوضون على ما بعدها، على الرغم من أن سقوط مأرب لا قدر الله بيد المليشيات الحوثية، سيتبعه بالقطع سقوط حضرموت وشبوه والمهره، إن صمود مأرب هو تعزيز لموقف الشرعية وموقف السعودية، وسيكون دافع لاستعادة الانتصارات في الجبهات الأخرى حتى استعادة العاصمة صنعاء وسقوطها لا قدر الله سيكون انتصار لهذه المليشيات وللمشروع الإيراني وسقوط الشرعية برمتها.
النواب اليمني
دعا رئيس مجلس النواب اليمني، سلطان البركاني، أمس الأحد، الأمم المتحدة إلى إيقاف ما وصفه بتصعيد جماعة "أنصار الله" في محافظة مأرب الغنية بالنفط شمال شرقي اليمن، محذراً من تداعيات إنسانية واقتصادية ستطول أضرارها أنحاء البلاد كافة.
وقال البركاني، خلال لقائه، عبر الاتصال المرئي، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، وفقاً لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، التي تبث من عدن والرياض، إن "الحرب الدائرة في مأرب تضع مصداقية الأمم المتحدة على المحك، لاسيما وأن هناك المئات من الضحايا الذين يسقطون يومياً جراء الحرب التي يشنها الحوثيون ضد السكان والنازحين الآمنين في المحافظة وحولوها إلى بحرٍ من الدماء".
وأضاف أن "استمرار الحرب سيؤدي إلى كارثة إنسانية وبيئية واقتصادية كبيرة ستصل أضرارها إلى كل أنحاء اليمن، خصوصاً إذا ما تعرضت منشآت النفط والغاز للأعمال الإرهابية الحوثية التي تعودت عليها تلك الميليشيات في مختلف المراحل منذ بداية الحرب".
وجدد البركاني "ترحيب الشرعية (الحكومة المعترف بها دوليا) بجهود تحقيق السلام وحرصها على إنهاء الأزمة اليمنية، وتعاطيها الإيجابي مع كافة المبادرات الرامية إلى ذلك، وآخرها المبادرة السعودية"، متهماً الحوثيين بـ "التعنت ورفض كل المبادرات ونكث كل الاتفاقيات وتقويضهم الدائم لكل الجهود الأممية في هذا الجانب".
واعتبر أن "الحديث عن السلام في ظل الحرب وتصعيد الحوثيين لن يحقق النتائج المرجوة"، معبراً عن "أمله في أن تتكلل جهود المبعوث الأممي لإيقاف الحرب في مأرب بالنجاح وتحقيق نتائج عاجلة وإيجابية".
ووفقاً لوكالة "سبأ"، ناقش اللقاء "الخطوات الضرورية والعاجلة لإيقاف الحرب المدمرة التي تشهدها محافظة مأرب، وجهود الأمم المتحدة ومبعوثها للحل السياسي للأزمة اليمنية".
من جانبه، تطرق المبعوث الأممي إلى "الجهود التي يبذلها مع كافة الأطراف لإيقاف الحرب في مأرب، وحماية السكان والنازحين".
وقال إن "الأمم المتحدة ترفض كافة أشكال الأعمال العسكرية التي يقوم بها الحوثيون وتدرك حجم المخاطر التي ستنتج عنها وما سيتعرض له السكان في مأرب والنازحون"، حسب وكالة "سبأ".
وأكد غريفيث أن "الأمم المتحدة تبذل كل ما بوسعها لإيقاف المواجهات العسكرية وتجري تواصلها المكثف مع كافة الجهات التي يمكن أن تلعب دوراً إيجابيا لإيقاف تلك المواجهات وذهاب اليمنيين إلى طاولة المشاورات بصورة عاجلة، والتزامهم بخيار السلام بعيدا عن الخيارات الأخرى".
وأشار إلى "الجهود التي بذلها منذ آذار/مارس 2020، لإيقاف الحرب في اليمن، وإحاطاته الدائمة لمجلس الأمن بهذا الشأن والتحذير من تداعيات الأعمال العسكرية وأضرارها في مأرب وغيرها من المناطق".
وتشهد محافظة مأرب للشهر الثالث على التوالي، معارك محتدمة بين الجيش اليمني وجماعة الحوثيين، منذ إطلاق الأخيرة حملة عسكرية للسيطرة على مركز المحافظة مدينة مأرب، التي تمثل أهمية سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة في الصراع في اليمن، حيث تضم مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش اليمني، إضافة إلى حقول ومصفاة صَافِر النفطية.