ترجمات

سيناريوهات دولية متنافرة في الصراع على المنطقة العربية

تقارير وحوارات
قبل 3 سنوات I الأخبار I تقارير وحوارات

واجهت العديد من الدول العربية في العقود الأخيرة تحديات كبيرة طالت مصالح الدول العظمى في المنطقة. ومع ضعف وارتباك أنظمة حكم البعض من تلك البلدان تزايدت حدة الغضب بين شعوبها، مما أدى إلى انطلاق ما سُمي بـ”ثورات الربيع العربي” عام 2011 التي لم تتمكن في معظمها من تحقيق أهدافها، وعجزت قدرات الدول والشعوب عن مجابهة نتائجها، كما لم تنجح تجارب حكم الإسلام السياسي في أي من دول الثورات.

ونتيجة لتدهور الأمور وتزايد الصراعات العرقية والقبلية والطائفية في سوريا واليمن وليبيا فضلًا عن العراق وصلت تلك البلدان إلى ما يُعرف بحالة “الدولة الفاشلة”. وأدى كل ذلك إلى استمرار تزايد وانتشار الإرهاب في المنطقة وبعض المناطق المحيطة بها.

ومع تطور الأحداث طورت الدول العظمى إستراتيجياتها بما يمكّنها من مواجهة الأحداث بالمنطقة في إطار يضمن تحقيق نفوذها وحماية مصالحها المتضادة، الأمر الذي أدى إلى اشتعال التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة.

منطلق تفكيك التشابكات

انطلاقا من هذه الرؤية وما تعيشه المنطقة من حالة صراع بين القوى الدولية من جانب وبين القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط من جانب آخر، وحتى لا يبدو الأمر وكأن المنطقة العربية تعيش حالة من التفكك والضعف، يسعى سيد غنيم زميل أكاديمية ناصر العسكرية في كتابه “الأصابع على الزناد.. إستراتيجيات الأمن القومي للدول الكبرى وتأثيراتها على الشرق الأوسط” الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تشغل بال كل مهتم بأوضاع المنطقة.

ويحاول الباحث المصري تفكيك التشابكات المطروحة عبر طرح مجموعة من التساؤلات من قبيل هل أن الولايات المتحدة تنسحب أم تزداد تدخلًا؟ وكيف تحافظ على مصالحها؟ كيف يفكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ وأين الصين مما يحدث؟ وهل تقدم التفوق على التنافس؟ وما أسباب جرأة الدور التركي؟ وما هي طبيعة العلاقات والتنافس بين تركيا وإيران؟ وأين إسرائيل من ذلك؟ هل مصر قوة إقليمية؟ كيف يبدو الموقف الخليجي بين التوتر والتنامي في قوة السعودية والإمارات؟ وماذا تريد قطر وما سر إصرارها على موقفها؟

ويطرح غنيم أفكار الكتاب في إطارين زمنيين رئيسيين، الأول: ويتضمن الفترة ما بين 2011 و2017 وذلك ارتباطًا بتداعيات الثورات العربية وحتى تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وإصدار آخر وثيقة لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي في ديسمبر 2017.

وفي هذا الجزء تم استعراض إستراتيجيات الأمن القومي والدفاع والسياسات المتعلقة بها لكل من الولايات المتحدة وروسيا والصين كأهم أقطاب التنافس الدولي بالمنطقة، وكذلك بالنسبة إلى كل من إسرائيل وتركيا وإيران على الصعيد الإقليمي.

كما تم استعراض التنافس الدولي والإقليمي بين هذه الدول فضلًا عن السعودية والإمارات وقطر ومصر باعتبارها الدول العربية الفاعلة بالمنطقة، انتهاءً بتوضيح التحديات الناجمة عن إستراتيجيات وسياسات القوى العظمى والقوى الإقليمية في ديناميات أمنية جديدة.

أما الإطار الزمني الثاني فيتضمن الفترة ما بين عامي 2018 و2020 ويوضح أهم المستجدات الدولية والإقليمية التي أثرت على الديناميات الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، واعتبارها تمهيدًا لاستشراف التحولات الدولية والإقليمية والتأثيرات المتوقعة على الأمن الإقليمي للشرق الأوسط كرؤية مستقبلية.

اليمن والدور الإيراني

يضع غنيم ستة سيناريوهات للأزمة اليمنية، نشير هنا إلى الخامس والسادس منها؛ السيناريو الخامس يتعلق بتحول الصراع والحرب بالوكالة إلى حرب مباشرة بين السعودية والإمارات وإسرائيل كطرف، وإيران وأذرعها المسلحة كطرف مضاد، نتيجة التداخل المعقد للغاية لأطراف عدة من القوى الإقليمية والدولية في مناطق جغرافية أهمها سوريا وليبيا.

أما السيناريو السادس فيتعلق بالتحول من الصراع العسكري إلى مفاوضات سياسية لتقسيم اليمن من خلال احتمالين، يتلخص الأول في تقسيم اليمن إلى اليمن الشمالي ويقوده الحوثيون ويتضمن كلا من العاصمة صنعاء ومحافظات صعدة وإب وعمران وذمار، وريمة والحديدة والمحويت والبيضاء وحَجَّة.

واليمن الجنوبي وتقوده الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بالتعاون مع حزب الإصلاح المنتمي إلى الإخوان المسلمين ويتضمن محافظات حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى ومأرب والجوف وأبين والمناطق الممتدة على طول الخط الواصل بين مدينة شقرة جنوبًا إلى مدينة لودر شمالًا مرورًا بمنطقة العرقوب، مع اعتبار الجزء الجنوبي المطل على خليج عدن والواقع تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي (إقليم حكم ذاتي) للمجلس الانتقالي الجنوبي.

ويبدو أن السيناريو السادس هو الأكثر احتمالًا لصعوبة سيطرة أي من السعودية أو إيران على اليمن في ظل صراعاتهما التي تستنفد قدراتهما بشدة، مع دعم الإمارات للجنوبيين الطامحين للانفصال بالجنوب، بالإضافة إلى عدم توافر أغلب مقومات القوة في كفة أي من الأطراف الإقليمية، ورفض القوى العظمى بروز قوة إقليمية في المنطقة يمكن أن تسيطر على النظام الإقليمي.

وفي أحد سيناريوهاته للأزمة الإيرانية يرى غنيم أن فشل جميع محاولات الوصول إلى شكل مناسب بشأن الاتفاقية النووية قد يدفع طهران لاستخدام ورقة الضغط العسكري في الخليج، ما يزيد التوتر في المنطقة؛ حيث تتأثر عمليات الشحن البحري في الخليج، مع وقوع أفراد أو أصول سعودية وإماراتية وإسرائيلية وأميركية تحت تهديد إيران ووكلائها.

في المقابل ستكثف إسرائيل محاولات إقناع الولايات المتحدة بشن هجمات جوية وصاروخية على أهداف إيرانية خاصة المفاعلات النووية ومخازن ومنصات الصواريخ الباليستية، لترد إيران بشن هجمات صاروخية على الإمارات والسعودية (مصدر النيران الأميركية).

وقد يترتب على ذلك انتشار بحري شامل في الخليج، وهجمات بواسطة عملاء وأذرع إيران مستهدفة أفرادًا وسفارات وقواعد أميركية في المنطقة.

ويعرض هذا السيناريو إيران والإمارات والسعودية لخطر شديد، حيث تدفع إيران حزب الله للانضمام إلى القتال وتطلق وابلًا صاروخيًّا على إسرائيل، التي تتحرك لانتقام واسع النطاق، ويشمل الصراع إسرائيل ولبنان.

إلا أن الولايات المتحدة وإيران ليستا على استعداد للحرب الشاملة، فإيران منهكة من العقوبات المعوقة، والرئيس الأميركي جو بايدن يريد الحفاظ على استقرار المنطقة بأن يتجنب الحرب أو التصعيد الكبير الذي يفقده السيطرة على أسعار النفط. لكن ذلك لن يكون أمرًا سهلًا على الإطلاق. وبشكل عام يقول غنيم من الصعب التنبؤ بالاتجاه الذي ستتخذه الأزمة الإيرانية، إلا أنه ومع إدارة بايدن من المحتمل أن تتجه الأزمة إلى منعطف أكثر سلمية.

ماذا عن دول الخليج

في إطار تتبعه للتحولات المحتملة في إستراتيجيات السعودية والإمارات وقطر كانعكاس وتفاعل مع المتغيرات الأمنية والسياسية التي أثرت على الأمن القومي العربي يرى غنيم أن السعودية تسعى للحفاظ على نفسها قوية ذات نفوذ وقادرة على قيادة الدول العربية.

وعلى الأرجح سيقوم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بدعم من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وحليفته الإمارات باتخاذ إجراءات محددة على عدة مستويات.

فعلى المستوى الداخلي تستمر السعودية في التصدي للمنافسين، والاستمرار في التحرك تجاه التغيير مع تحفظ وحذر شديدين، حيث سيركز الأمير محمد على “محاربة التطرف” و”العودة إلى الإسلام المعتدل” اللتيْن سيتم النظر فيهما بالتزامن مع أهداف المملكة المستقبلية في المنطقة. وسيعمل على محاولة جذب المستثمرين الأجانب وإعادة تأهيل الصورة السعودية على خلفية انخفاض أسعار النفط.

وعلى المستوى الإقليمي ستواجه السعودية المزيد من التحديات إذا لم تجد مخرجًا عسكريًّا من اليمن. ولذلك قد تضطر إلى مواصلة القتال ضد الحوثيين أو إلى الوصول لنقطة مفاوضات ناجحة معهم. وسيكون الخيار الثاني أكثر نجاحًا إذا أصبح الحرس الثوري الإيراني في وضع أضعف. وفي جميع الحالات، (يمن واحد) هو اهتمام سعودي رغم شدة صعوبته.

أما على المستوى الدولي فستجري السعودية المزيد من الاستقلالية في علاقاتها الدولية، مثل تغيير سعر النفط دون استشارة الولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أن خفض سعر النفط من قبل السعودية لا يؤثر على روسيا فحسب، بل يؤثر أيضًا على تجارة النفط الصخري الأميركي في الولايات المتحدة بشكل سلبي.

كما ستجري المزيد من الاستقلالية في مجال التسلح؛ حيث ستعمل السعودية على تنويع مصادر أسلحتها، مع اتجاه كبير نحو الصين والدول الآسيوية والأوروبية الأخرى. وبالنسبة إلى روسيا سيكون عدد الصفقات العسكرية أقل نسبيًّا. ومع ذلك ستواصل الرياض التنافس مع موسكو في مجال النفط.

ويشير غنيم إلى أن الإمارات من خلال نظامها الفيدرالي وحكوماتها المتماسكة ستواصل الحفاظ على مستوى عالٍ من الأمن والازدهار؛ حيث ستحتفظ بمكانتها كدولة رئيسة، تتحول من مستوى الفاعلية إلى القيادة من الخلف في مناطق الاهتمام.

وقد تعمل على المستوى الداخلي بأن تستمر في إنتاجها واستثماراتها غير النفطية خاصة في مجالات التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي والموانئ والبرامج النووية السلمية والفضاء وغيرها. وستواصل إسلامها المعتدل في مواجهة منظمات الإسلام السياسي المتطرف.

وعلى المستوى الإقليمي ستستمر الإمارات في التواجد في بعض النزاعات لكن ليس كطرف فيها. وستعمل على الحفاظ على سمعتها الدولية من أجل حماية طموحاتها الاقتصادية الإقليمية والدولية. لكنها ستبقى نشطة أمنيًّا للتصدي لتمدد تركيا وإيران فضلًا عن تنظيم الإخوان المسلمين في كل مكان ممكن، والعمل على إدراج التنظيم ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية دوليًّا.

كتاب "الأصابع على الزناد" يحاول تفكيك إستراتيجيات الأمن القومي للدول الكبرى وتأثيراتها على منطقة الشرق الأوسط والسياسة المحتملة للقوى الإقليمية الفاعلة

كما ستعزز الإمارات علاقاتها مع مصر وإسرائيل، وفي غضون ذلك ستعمل على إيجاد أرضية للتواصل مع الحكومة الإيرانية بعيدًا عن الحرس الثوري الإيراني، وكذا مع النظام السوري، بطريقة تؤدي إلى علاقات أكثر مرونة واستقرارًا.

وستستمر الإمارات في التعاون مع السعودية في التحرك نحو أفريقيا والبحر الأحمر لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وأمنية مشتركة. أما على المستوى الدولي فستمارس الإمارات المزيد من الاستقلالية في سياستها الخارجية وتنويع مصادر الموارد، وتعزيز علاقاتها مع الصين وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، والحفاظ على تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، مما يضمن مرونتها وقدرتها على المناورة لدعم تفاعلها الدولي المتزايد.

ويتابع غنيم بالإشارة إلى أن الإمارات يبدو أنها تحاول صياغة الترتيبات الإقليمية للمنطقة إذ أنها تعمل على إحداث تغييرات كبيرة في الديناميات السياسية والأمنية. فهي تتحرك حاليًا وربما لأول مرة بشكل أكبر دون مظلة خليجية اعتادت أن تقودها السعودية، وتتصرف حاليًا بشكل منفرد في عدة أمور مهمة، الأمر الذي قد يشير إلى أن المنطقة تتغير ملامحها وأن مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يتطور أو يتغير.

ومن الواضح أن الإمارات تعمل حاليًا لصالح خطط إستراتيجية فرعية تصب جميعًا في خطة الإمارات الإستراتيجية الرئيسة 2071. كما يبدو أنها تسير في اتجاه تغيير فكرة قائمتين ثابتتين للأصدقاء والأعداء، تلك التي تم اقتراحها بواسطة البرلمان العربي، لتصبح قائمتين للمصالح والتهديدات.

ويختلف ترتيب وأولويات الدول باختلاف نسب المصالح الحيوية مع كل دولة. أما الدول الصديقة الحقيقية (كمصر مثلًا) فيجب أن تكون الصداقة معها بما يفيد الإمارات على طول الخط أولًا.

وفي ما يتعلق بقطر يوضح غنيم أنها ستواصل بحذر اتباع إستراتيجيتها الهجومية، في محاولة لبناء نظام إقليمي مناسب يضمن تأمين مصالحها وتحقيق أهدافها، على أمل احتلال موقع مستقل الإرادة أمام باقي دول مجلس التعاون الخليجي والذي سيشكل تعارضًا مع إرادات ومصالح الدول العربية المنافسة في المنطقة. فعلى المستوى الداخلي ستواصل قطر استغلال حقول الغاز المشتركة مع إيران كموارد مالية رئيسة، كما ستواصل تطوير مواردها لتصبح أكثر استدامة ذاتيًّا (خاصة في مجال الغذاء).

وسيتعين على حكومة قطر ضخ الأموال في الاقتصاد لمواجهة آثار المقاطعة، والاستعداد لاستقبال كأس العالم 2022، إلى جانب تطوير القوات المسلحة القطرية. وعلى المستوى الإقليمي ستحافظ على مكتسبات المصالحة مع الاستمرار في تعزيز شرعية الأسرة الحاكمة في الدوحة، والاستمرار أيضا في ممارسة التنافس أمام أقرانها الخليجيين في الأسواق الاقتصادية.

وستواصل قطر تعزيز علاقاتها مع تركيا، الراعي السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين، وستعزز تركيا وجودها العسكري المُهدد بالخروج من قطر بضغط من السعودية والإمارات.

وتعلم قطر أهمية الاستمرار في تعزيز العلاقات مع إيران، مما يعني عدم الثقة من وجهة نظرها في المصالحة مع السعودية والإمارات فالدوحة ترى أن المصالحة مع رباعي المقاطعة تعني قطع العديد من العلاقات القطرية الجديدة، أي خسارة داعمين مهمين، مما يحكم هيمنة السعودية عليها بشكل تام، ولكنها أيضًا ترى أن المصالحة ضرورية لإيقاف نزيف الخسائر الاقتصادية.

وفي كل الأحوال ستستمر قطر في خطوات المصالحة مع محاولة الحفاظ على توازن علاقاتها مع تركيا وإيران وإسرائيل. وستعزز قطر علاقاتها مع عمان والكويت كذلك، مستغلة ميناء دقم العماني المنافس للإمارات والسعودية، حيث ترى قطر أن استمرارها في التنافس ضد الإمارات والسعودية يعزز وضعها الاقتصادي خاصة حالة عدم نجاح المصالحة أو العودة إلى مربع رقم صفر في أي وقت لاحق.

ويضيف غنيم أنه بالنسبة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل لا يتوقع أن تقدم قطر على هذه الخطوة على المدى القريب في حال استمرار وتزايد علاقتها مع إيران، فضلًا عن ارتباطها بتنظيم حماس في غزة، والتي ستتأثر بشدة في حال إعلان قطر تطبيع العلاقات مع إسرائيل. إلا أنه مع إتمام المصالحة دون توافق قطري جيد مع إيران قد تكون فرصة التطبيع مع إسرائيل أكبر.

أما على المستوى الدولي فستحاول قطر تحسين صورتها خلال تنظيم الأحداث الرياضية مثل كأس العالم لكرة القدم عام 2022 كما ستحاول تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة على حساب الإمارات، الأمر الذي يمثل صعوبة نظرًا لعلاقات قطر المتزايدة مع إيران.

ومن المتوقع أن تعمل قطر على منع الولايات المتحدة أو أوروبا من إدراج تنظيم الإخوان المسلمين ضمن قوائم الإرهاب، لكي تبقيه كركيزة سياسية ضد منافسيها في المنطقة.