تمثل المعالجة القانونية لقضايا العائدين إشكالية جدلية لدول أوروبا، فمن جهة تعاني بعض الدول وبالأخص منطقة البلقان من ضعف في الإجراءات الخاصة بمنظومة العدالة وتراجع الشفافية ما يزيد من خطورة الإيديولوجيات الإرهابية على المجتمعات.
أن عدم التعامل القانوني الحازم مع العائدين من «داعش» يعرض المنطقة للمخاطر الناتجة عن اندماجهم بالمجتمع دون آليات رادعة ومراقبة سلوكية وسط موجات استقبال كبيرة من دول البلقان للمواطنين العائدين من مناطق القتال، إذ تشير التقارير الحكومية الواردة عن المنطقة إلى قلة عدد المدانين والمحاكمين قانونيًّا بعد عودتهم من صفوف الجماعات الإرهابية بالخارج.
العائدون.. تحديات قضائية تواجه البلقان يذكر موقع (بلقان انسايت) في يوليو 2020 أن كوسوفو وصربيا من أكثر الدول بالمنطقة التي أصدرت أحكامًا ضد مواطنيها العائدين من القتال في سوريا وأوكرانيا، بينما حاكمت البوسنة والهرسك ومقدونيا مدانين أكثر بالإرهاب الداخلي وليس الخارجي.
وتظهر في محاكمات العائدين بالبلقان إشكاليتان مهمتان وأولهما العدد القليل للمدانين من العائدين مقابل إجمالي عددهم، فخلال الفترة من 2007 وحتى 2020 حاكمت البوسنة 28 شخصًا فقط من العائدين، ومقدونيا 18 شخصًا، فيما حاكمت ألبانيا 9 أشخاص، وصربيا 16 شخصًا، ولكن أغلب هذه المحاكمات انتهت بأحكام مع إيقاف التنفيذ.
وتشير ثاني الإشكاليات الخاصة بهذا الملف إلى العدد القليل لسنوات السجن التي يقضيها المحكوم عليهم، والتي تمثل في المتوسط من سنتين إلى ثلاث سنوات، وهو ما يمثل أقل من ضعف السنوات التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي في هذه القضايا.
سجون البلقان وبؤر العائدين
لا تتأثر المحاكمات بالعدد القليل لسنوات السجن أو ضعف آليات العملية القضائية التي تلقي بظلالها على نسب الإدانات، ولكنها ترتبط بالأجندة الخاصة بالتعامل مع هؤلاء المساجين خلال فترة تنفيذ العقوبة وبعد خروجهم، إذ يحتاج هؤلاء الإرهابيون لمراقبة صارمة بداخل أماكن الاحتجاز لعدم نشر إيديولوجيتهم بين المحتجزين والحيلولة دون تعميق التعاون بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة، وهو ما تتخوف منه دول الاتحاد الأوروبي التي تخشى من تأثير ضعف المنظومة الأمنية والقضائية بالبقان على مجتمعاتها.
وحذر الاتحاد الأوروبي في أبريل 2021 من تعاون محتمل بين الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة على خلفية ضعف المراقبة في بعض السجون محذرًا من الاختلاط بين العناصر الإجرامية وبعضها بما يخدم عملية التمويل المشبوهة التي تعتمد عليها تلك التيارات لاستدامة أنشطتها، إذ تحتاج الجماعات الإرهابية العابرة للقارات للتعاون مع منظمات التجارة بالمخدرات والاتجار بالبشر من أجل التمويل، وبالتالي فأن وجود أي ضعف بمنظومة المراقبة بالسجون يؤثر على أمن المنطقة بالكامل.
وفي مايو 2018 سربت عناصر تنظيم داعش صورًا من داخل سجن في ألبانيا لتقرير مترجم باللغة الألبانية لقرارات التنظيم لنشره في المصادر الإعلامية لداعش لدعم العناصر الجدد من ألبانيا ونشر استخدام اللغة، ما يعني اختراقًا لمنظومة الأمن بالسجن وإنذارًا بالخطر على المجتمع والمناطق المجاورة.
وفيما يخص عدم القدرة على إدانة أغلب العائدين، لضعف القدرة في التحقيق في الأدلة الجنائية، فذلك من شأنه أن يعرض المجتمع لاندماج أشخاص غير مؤهلين للتعامل مع باقي المواطنين، وبالأخص مع إستراتيجية التنظيم في إرسال عناصر مدربة وموالية لداعش ضمن حملات العودة والهجرة.