في غياب أي اهتمام حقيقي بالمحافظة على بيروت القديمة أو ما بقي منها جاء انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية في الرابع من أغسطس 2020 ليعيد إلى الواجهة أهمية قصور قديمة لم يبق منها الكثير. بعض هذه القصور تضرر بسبب الانفجار والبعض الآخر في مناطق بعيدة نسبيا عن المرفأ وقد تضرر بسبب الإهمال.
ويعبر معماريون لبنانيون عن أملهم في أن يمنح الخراب الذي نشره الانفجار فرصة تعافي هذه الأبنية ضمن ما يمكن أن يتعافى في بيروت وبقية لبنان.
وليس معروفا إلى حد الآن ما إذا كانت هناك جهات لبنانية يمكن أن تستفيق على ما يعنيه فقدان معالم حضارية في بيروت أم أن جهات دولية، من بينها ألمانيا وفرنسا، ستجعل من إعادة الحياة إلى معالم بيروت جزءا من مشروع أكبر قد يرى النور يوما في إطار إعادة بناء مرفأ بيروت.
وعلى الرغم من أن العديد من المباني القديمة في بيروت مهجورة منذ سنوات فإنها تجذب الأنظار الآن بعد الانفجار القاتل الذي دمر عددا هائلا من المنازل والمباني العام الماضي وتسبب في قتل 200 شخص وإصابة الآلاف.
وداخل قصر مهجور بمنطقة البسطة في بيروت يقف المصور الفوتوغرافي البريطاني جيمس كيروين وراء كاميراته ليلتقط صورا فوتوغرافية للنوافذ الطويلة والمتصدعة في المبنى ولسقوفه المنقوشة ولأسطحه الذابلة.
ويعد القصر، الذي يقع في أحد أحياء بيروت العتيقة، واحدا من مواقع عديدة رصدها المصور المغرم بالتراث.
وقال كيروين، وهو أصلا من بريطانيا لكنه يقيم في تفليس بجورجيا، إنه يجوب لبنان منذ أيام حيث يرصد المنازل التقليدية القديمة من الشمال إلى الجنوب.
وأضاف “تركيز أذهان الناس على إرث العمارة اللبنانية بعد الانفجار الذي حدث في الميناء كان أمرا إيجابيا، وبمثابة خطوة إلى الأمام قد تساعد لبنان في المحافظة على إرثه المعماري”.
وتنتشر منازل لبنان القديمة في أنحاء الساحل وعبر جبال البلاد مع أروقة فيها أعمدة مفردة وثنائية وثلاثية وأسقف من القرميد.
وبينما تعرض الكثير منها للإهمال أثناء وبعد الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما فإن بعض البيوت تتم المحافظة عليها جيدا وتسكنها عائلات.
ومن بين تلك القصور قصر دبّانة الذي شُيّد عام 1721 على يد علي آغا حمود، أحد أعيان مدينة صيدا، ومن القيمين على الشؤون المالية والضريبية في ذلك الزمان.
ويمثل قصر دبانة نموذجا للبيت التقليدي في بلاد الشام، كونه يحتوي على جميع خصائص الدار “العربية – العثمانية” الخاصة بتلك الحقبة، وما يتضمنه من عناصر جمالية.
وكشف كامل كزبر، رئيس اللجنة الثقافية في بلدية مدينة صيدا، أن “آل حمود الذين بنوا هذا القصر وأبنية تراثية أخرى أصلهم من المغرب العربي، قدموا إلى صيدا لمناصرة صلاح الدين الأيوبي إبان الحملة الصليبية (الثانية 1147 – 1192)، ثم استقروا فيها وبدأوا بإعمار شارع سوق الشاكرية الذي يوجد به القصر”.
ويزور القصر سنويا آلاف السياح العرب والأجانب، فضلا عن كونه موجودا على خارطة السياحة الداخلية في لبنان، وعلى مقربة منه يقع جامع الأمير فخرالدين، وكنيسة الروم الكاثوليك، ويمكن مشاهدتهما من نوافذ القصر.
وقال كيروين “كل الجمال الذي يحيط بنا يشبه إلى حد ما السفر عبر الماضي ومحاولة تخيل ما كان هناك من قبل. حتى دون وجود أثاث فإنه يمكن للمرء أن يتخيل أنه كان بيتا جميلا، فيه ميزات جميلة وتجهيزات وأثاث وما إلى ذلك”.
والتقط كيروين قبل ذلك صورا لأطلال في أماكن مختلفة، من بينها أماكن في دول الاتحاد السوفييتي السابق والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ويأمل في أن يصدر قريبا كتابا حول البيوت التقليدية المهجورة في لبنان.